تنتشر على أراضي الشمال السوري المحرر العشرات من المنظمات الإنسانية والإغاثية التي تهتم -بحسب مسمياتها- بكل جوانب الحياة من إغاثة وطبابة وتعليم وإيواء وحتى الجوانب الترفيهية.
وتتلقى هذه المنظمات دعمها من مصادر مختلفة أهمها منظمات الأمم المتحدة، ودعم رجال أعمال وفي حالات أخرى من مشايخ وتبرعات فردية، ولكن مع كثرة هذه المنظمات التي أحصاها ناشطون بـنحو 105 منظمات لا يزال مئات الآلاف من النازحين يرزحون تحت وطأة البرد والجوع والتشرد. وتشير إحصائية فريق “منسقو استجابة سوريا” إلى وجود نحو 800 ألف نازح يقطنون في المخيمات، وبلغ عدد الوافدين والمهجرين إلى المناطق المحررة 830 ألفاً، فيما يقيم مليونان ومئتا ألف من السكان الأصليين، مع وجود بضعة آلاف من النازحين الفلسطينيين والعراقيين، مما يطرح تساؤلات عن آلية عمل هذا الكم من المنظمات وجدواها ومدى شفافيتها وطبيعة عملها.
*سلبا وإيجابا
يقول رئيس الرابطة السورية لحقوق اللاجئين “مضر حماد الأسعد” في حديث لـ”زمان الوصل” إن لوجود هذا الكم الكبير من المنظمات الإنسانية والخيرية جانبين: إيجابي وسلبي، فالجانب الإيجابي يشير -كما يقول- إلى أن “الدنيا لا زالت بخير” ويمكن أن تقدم هذه المنظمات إلى أهلنا النازحين ما يمكن أن تقدمه من مساعدات طبية وإنسانية وإغاثية وغيرها من الاحتياجات، ولكن سلبية هذا الموضوع –كما يقول- تكمن في الفوضى التي تعني الفساد وعدم التنظيم مما يجعل العملية الإغاثية في حالة من عدم الجدوى، وهذا الأمر يؤثر على النازحين واللاجئين.
وتابع “الأسعد” أن بعض الأشخاص ومن أجل الاستفادة المادية أو السياسية استسهلوا إنشاء جمعيات ومنظمات إغاثية أو طبية يحصلون عليها دعماً خارجياً ومن بعض أهل الخير من سوريين وغيرهم وهم كثر.
واستدرك المصدر أن المساعدات التي تأتي إلى النازحين السوريين كبيرة جداً، ولكن هناك خللاً في آلية التوزيع وتنظيم العملية الإغاثية وهذا الأمر-حسب قوله- يؤدي إلى عدم وصول المساعدات إلى مستحقيها.
وأردف أن ما يحسن هذا العمل أن تكون هناك جهة واحدة تقوم بالإشراف والتوزيع والمراقبة للمساعدات الإنسانية والإغاثية في الداخل السوري أو في لبنان، وأن تشكل كل الجمعيات والمنظمات السورية والإقليمية والعربية والدولية مكتباً واحداً يقوم بهذه المهمة ويكون لكل منظمة أو جمعية مندوباً في عملية الإشراف.
ولفت محدثنا إلى أنه ليست هناك آلية واحدة في عملية توزيع المساعدات الإغاثية والإنسانية فكل منظمة توزع على هواها وكل جمعية توزع حسب ما تريد، وهذا خلل واضح في العمل الإغاثي، حتى أن بعض المخيمات-كما يقول- يمكن أن يوزع لقاطنيه في الشهر 3 مرات وبعض المخيمات يكون التوزيع كل 3 أو 4 أشهر مرة واحدة.
*هل الإغاثة مسيسة؟
ونفى “الأسعد” فكرة أن يكون العمل الإغاثي مسيساً ولكن هناك سوء في عملية التوزيع والتنظيم في الشمال السوري المحرر وهناك –حسب قوله- جمعيات ومنظمات عربية ودولية وتركية تعمل بشكل جيد وتوزع بشكل شهري ودوري وهي على درجة عالية من التنظيم والدقة والأمانة بعيداً عن السياسة والمحسوبيات أياً كانت.
ودعا رئيس منظمة حقوق اللاجئين إلى تشكيل مكتب موحد يشرف على جميع المنظمات الإغاثية وأن تصب إليه كل المنظمات ذات الصلة بالعمل الإغاثي وتكون لهذا المكتب الموحد والمدعوم من كل الجمعيات والمنظمات العربية والتركية والمحلية فروع في كل مدن الشمال السوري تقوم تسجيل البيانات والأسماء، وتكون عملية التوزيع بالدور المنظم.
وختم “الأسعد” أن العمل الإغاثي يحتاج دوماً إلى الشفافية والضمير الحي لدى القائمين على هذه المنظمات من أعلى الهرم الإداري فيها وحتى أصغر موظفيها حتى لا تكون هناك مخالفات أو تجاوزات في عملها.
وبدوره أشار رئيس جمعية “غراس الخيرية” السابق “أبو عبد الرحمن الحصني لـ”زمان الوصل” إلى أن كثرة المنظمات الإنسانية والإغاثية تحمل في طياتها جوانب إيجابية وسلبية فالجوانب الإيجابية تتمثل في روح المنافسة بالعمل وتقديم ماهو أفضل، ولكن الواقع يشير إلى غير ذلك للأسف فأغلب هذه المنظمات تتنافس على الأسوأ –حسب قوله- وتقدم مساعدات لا تكاد تغطي النزر اليسير من حاجة النازحين أو الحالات الموجود في المخيمات.
وعبّر “الحصني” عن اعتقاده بأن أغلب المنظمات الإغاثية والإنسانية في الشمال المحرر تعمل وفق ما تمليه عليها الدول والداعمون وهيئة منظمة الأمم المتحدة أو المنظمات التي تدخل بمشاريع ومناقصات، وهي من تسيّر العمل الإغاثي فليس هناك جمعيات أو منظمات تعمل -كما يقول- في جمع التبرعات الشخصية وهذا الدعم الشخصي أو النابع من الأشخاص الذين يحسون بمعاناة السوريين تم منعه من قبل الدول للأسف.
الصيد بدلا من إعطاء سمكة
ورأى المصدر أن هناك حاجة ماسة الآن لإنشاء مشاريع تنموية ضخمة لتحسين أوضاع النازحين وتوفير فرص عمل لهم كي نعيد للناس شيئاً من كرامتهم المهدورة -حسب تعبيره- وإلا لماذا يتم وضع النازح في خيمة في الوقت الذي يمكن فيه إنشاء غرفة بأموال التبرعات التي تقدمها المنظمات، ولماذا يُعطى هذا النازح سلة غذائية زهيدة القيمة فيما تستلم هذه المنظمات مساعدات بملايين الدولارات وبهذه المبالغ يمكن إنشاء مشرع يشغل ما بين 40 -50 عاملاً أي 50 عائلة تشكل ما يساوي مخيماً من مخيمات الطين.
وتابع أن النازحين في الشمال السوري بحاجة حقيقية لمشاريع تنموية تحسن أوضاعهم لا إلى مساعدات مؤقتة ومتقطعة لا تكاد تكفي لأيام.
ونوّه “الحصني” إلى أن هناك مشاريع كثيرة متعلقة بالنازحين يمكن إنشاؤها في الشمال السوري ولكن الأمر مرتبط –حسب قوله- باعتبارات دولية فالدولة الراعية لبعض المنظمات وهي تركيا مثلاً لا تسمح بإنشاء مثل هذه المشاريع ولا تسمح بتصدير إلا المواد الخام أو مواد مثل زيت الزيتون والقمح والقطن مثلاً، أما ما يتعلق باللباس والأكل والشرب فلا تسمح باستيراده من الشمال السوري المحرر.
*ذل مدروس للنازحين
الناشط “محمود دمشقي” مدير ”مؤسسة دعوة للشؤون الاجتماعية” التي تنشط في مجال تأمين دعم لمشاريع النازحين أشار بدوره إلى أن ما يحدث بالمخيمات في المناطق المحررة شمال سوريا منذ سنوات طوال يعادل ما يحدث في مناطق سيطرة نظام الأسد المجرم من إذلال للإنسان، وليس هناك من شك –كما يقول- أنّ سياسة الإذلال هي سياسة مدروسة لإشغال المواطن بمشاكله الداخلية عن قضيته المركزية.
وأردف الدمشقي أنّ ما تعانيه المخيمات على مدار السنة من إهدار لكرامة الإنسان وتضييع لمستقبله في الوقت الذي يتّخذ بعض قادة الفصائل العسكرية قصوراً لهم يبنونها مما نهبوه من هذا الشعب غير آبهين بما يعانيه الشعب لهو دليل -كما يقول- على ترسيخ نظام أشد فساداً من نظام الأسد الخائن لتهوي المنطقة في مستنقع الإملاءات الخارجية التي أعطت نظام الأسد الدكتاتوري فرصة الإنعاش واحتلال المزيد من المناطق المحررة. وتابع المصدر أن “ما يحصل في المخيمات في كل شتاء من فيضانات تجتاح الخيام هو مادة دسمة تستغلها المنظمات الإنسانية رغم قدرتها على نقل المخيمات إلى أماكن مناسبة أو تخديمها بحيث لا تتضرر”.
ولفت محدثنا إلى أن لدى الداعم أياً كان سياسة عليه اتباعها ولكن الخلل الذي لا شك فيه -حسب قوله- هو بالمسؤولين المباشرين في المنظمات حيث لا توجد جهة مختصة تقيّم كفاءتهم من حيث المعرفة أو القيم الأخلاقية، معرباً عن اعتقاده بأن استمرار عبث المخيمات بأحوال المهجرين هو بسبب عدم وجود لجان متابعة وقانون يلجأ إليه المهجّرون لتصحيح الأخطاء ومحاسبة المفسدين.