مع انتهاء كل قصف على مدينة “أريحا” بريف إدلب وانقشاع الغبار والدخان ينطلق أطفال بلدة “كورين” ليجمعوا من بين الركام والدمار في بلدتهم فوارغ القذائف والرصاصات التي يستخدمها مقاتلو الفصائل لأسلحتهم الرشاشة، أو القنابل العنقودية التي ترميها طائرات النظام ليقوموا ببيعها غير عابئين بالموت الذي يتربصهم في كل لحظة.
ودفع الكثير من أبناء البلدة الواقعة على سفح جبل الأربعين حياتهم ثمناً لهذه المهنة الخطرة التي تحولت إلى مصدر رزق، ولكنه محفوف بنهايات غير سعيدة.
وبحسب دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، لا تزال الألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار والعبوات الناسفة، وجميعها يصعب رصدها، تُشكل خطراً على حياة ملايين السكان في سوريا.
داخل محله في “كورين” انكب الحداد الشاب “رامز سليمان عجيني” على تفكيك قنبلة اشتراها للتو من أحد أبناء بلدته للاستفادة من معدنها وأجزائها، وفجأة انفجرت، وأدت إلى مقتل الشاب “أحمد معتصم عجيني” الذي كان داخل المحل وقطعت يد “عجيني” وكلهم من أبناء القرية التابعة لمدينة “أريحا” التي تعرضت لقصف مكثف من قوات النظام أثناء سيطرتها على “المسطومة” ومن الحواجز المحيطة.
وأشار ناشط فضل عدم ذكر اسمه لـ”زمان الوصل” إلى أن قصف قوات النظام لهذه المنطقة خلّف قنابل وصواريخ سواء كانت من الطيران أو الحواجز وبقيت هذه الأسلحة في الأراضي الزراعية دون أن تنفجر وعندما قام الأهالي بحراثة هذه الأراضي وجني المحاصيل الزراعية انفجرت عليهم فسقط العديد من الضحايا وما لم ينفجر منها قام الأهالي ببيعها كخردة وأثناء تفكيكها انفجرت عليهم ليعيشوا المأساة ثانية.
ولفت محدثنا إلى أن قوات النظام دأبت على إسقاط بعض القنابل العنقودية على شكل ألعاب للأطفال وعند رميها من الطائرات تعلق ببعض أغصان الأشجار، مضيفاً أن طفلاً من أبناء القرية قتل منذ سنوات بهذا النوع من القنابل التي كانت معلقة في أحد الأشجار الزراعية، وعثر أحد أبناء “كورين” منذ سنتين على بقايا صاروخ غريب الشكل له جناحان ملتويان، وحاول فتح الجناح، ولكن أحد الأشخاص أنقذه في اللحظة الأخيرة قبل أن ينفجر لأن مادة “tnt” مصبوبة داخل الحديد فيه.
وروى محدثنا أن صديقاً له يدرس في السنة الرابعة طب كان أحد ضحايا القنابل غير المتفجرة، حيث انفجرت إحداها عليه وعلى شقيقه أثناء محاولة العبث فيها فأدت إلى بتر يده وفقد شقيقه عينيه ومنذ شهر تقريباً ووجد طفل من “كورين” في الثالثة عشرة من عمره قنبلة عنقودية وبدأ باللعب فيها ونتيجة خطأ انفجرت عليه وأصيب بعينيه وبترت أصابع يديه.
ولفت المصدر إلى أن وطأة الفقر الحاجة وعدم وجود فرص عمل أو وظائف دفعت أهالي القرية إلى العمل في هذه المهنة الخطيرة والقاتلة ومما شجع عل هذه المهنة أيضاً -حسب قوله- وجود تجار خردة الذين لا يكتفون بشراء هذه المواد كخردة حديد بل يقومون بتفكيكها أحياناً والحصول على مادة البارود المتبقية داخلها، وبعض الذخائر والأسلحة التي يعثر عليها تباع بالكيلو كخردة وبقايا الحديد أما التي تحتوي على مواد بارود أو ما شابه فتباع بالقطعة، لكي يتم تفكيكها واستخراج ما بداخلها وغالباً ما تنتج عن ذلك كوارث، فمن يبيع هذه المواد الخطرة ومن يشتريها على حد سواء لا يملكون المعرفة الكافية في تفكيك تلك القذائف أو طريقة التعامل معها وتفادي انفجارها وإنما يتعاملون معها بجهل وعدم دراية بمخاطرها.
وبحسب إحصائيات نشرها موقع “المدن” نقلاً عن “المعهد السوري للعدالة والتوثيق” وهو معهد متخصص بتوثيق الانتهاكات وجرائم الحرب في سوريا فقد وصل عدد ضحايا الألغام ومخلفات الحرب في سوريا منذ عام 2016 إلى 1552 مدنياً في مختلف أنحاء البلاد، النسبة الأكبر منهم قضوا عام 2016 الذي سجل سقوط 522 مدنياً، في حين تبقى أرقام المصابين الذين فقدوا أحد أطرافهم جراء انفجار هذا النوع من الأسلحة غير متوفرة بشكل دقيق إلى اليوم، نتيجة صعوبة تتبعها من قبل المؤسسات والجهات الحقوقية العاملة في سوريا.