احذروا من فقد كل شيء.. حسين الزعبي*

ليس هناك أكثر قدرة على القيام بأفعال غير متوقعة، من ذاك الذي فقد كل شيء ولم يعد لديه ما يخسره.
ويبدو أن فئة من الجهات السياسية اللبنانية، التي لم تمتلك قرارها منذ امتهنت السياسة، وتتحرك دائما وفق ما يريد صانع القرار في هذه العاصمة أو تلك، تدفع باتجاه أن يصل واقع حال اللاجئين السوريين في لبنان إلى مرحلة لا يتبقى لديهم فيها ما يخسرونه.
لم يختر اللاجئ السوري حياة مجبولة بالمعاناة واليأس في لبنان حباً بالموروث الثقافي اللبناني، ولا طمعا بالواقع الاقتصادي، ولا استنئناساً بمجتمع يتميز بحس عال من المعاملة الإنسانية البعيدة عن العنصرية، بل توجه إلى لبنان بحكم لعنة الجغرافية ولأنه لم يكن يملك خياراً آخر، وكل ذلك حتى يحافظ على القلة القليلة مما تبقى لديه، فهو على الأغلب خسر أرضه وبيته، وربما اطفاله، فيما فقد آخر أباه وأمه وثالث زوجته وربما بعض أطرافه، ولنا أن نتخيل الكم الكبير من احتمالات الخسارة، أما أحد أبرز المتسببين في هذه المعاناة فهي الشريحة اللبنانية الأكثر نفوذا، شريحة حزب الله ومن دار في فلكها.. دعونا نفترض أن هناك قرارا روسيا، بدفع الاطراف اللبنانية لممارسة الضغط على اللاجئين السوريين بهدف دفعهم للعودة إلى سوريا، وهو أمر غير مستبعد، لاسيما أن موسكو تدندن على وتر العودة منذ مدة لا بأس بها، فهي تطمع بتحقيق أي تقدم في الملف السوري الذي أوكلها به الغرب.
اللاجئون في لبنان هم الأكثر هشاشة من بين فئات اللاجئين، وبالتالي مزيد من الضغط، كما يعتقد الروس ومن يمارس هذا الضغط، سيعيد القسم الأكبر منهم، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، وإن نجح مرة فلن ينجح في كل المرات، ولو أن اللاجئين هناك أرادوا العودة لعادوا منذ زمن، فالسلوك العنصري المقيت الممارس بحقهم من قبل معظم الشرائح اللبنانية ليس جديداً، ومازالت لافتات وإعلانات حظر التجول الذي كان يفرض على السوريين في أكثر من منطقة، مازالت حاضرة في الأذهان، ناهيك عن غيرها الكثير من السلوكيات العنصرية والاستخباراتية لم تقتصر على تسليم المطلوبين.
لكن الملاحظ أن الأمر، ولعل الخطورة تكمن في هذا الركن، أخذ ينتقل من مرحلة العنصرية اللفظية وسوء المعاملة تجاه أفراد، إلى مرحلة العنف العنصري تجاه تجمعات بكاملها كما حصل في مخيم “المنية”.
وهنا من المنطقي طرح تساؤلات، من قبيل هل يمكن استبعاد أن يلجأ هؤلاء البشر، الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت، إلى خيار الدفاع النفس إن تكررت حادثة “المنية” في مكان آخر؟ وربما علينا أن نسأل أيضا، ماذا لو أن الحريق الذي اندلع بفعل فاعل عن سابق إصرار وتصميم سياسي، أدى لمقتل عدد من الأشخاص؟ لا نعلم ربما لو توفي أحدا منهم لما حدث أي شيء، لكن ووفق الاحتمالات أيضا، يمكن لنا تصور سلسلة لا تنتهي من ردود الفعل التي قد تصدر عن أشخاص فقدوا كل شيء ولم يعد لديهم ما يقدمونه على مذبح المأساة.
لا أتمنى حدوث سيناريوهات بشعة، قد تبدو مستبعدة أصلا، لكن تاريخ الساحة اللبنانية مليء بالأحداث التي كانت في لحظة ما من المستحيلات، لكنها أضحت فيما بعد بحكم الأمر الواقع، وتجارب المخيمات الفلسطينية مازالت حاضرة أمامنا.

اللجوء إلى خيار السلاح هو السيناريو الأسوأ، لكن ما يبدو أكثر مهانة وسوءاً منه هو أن تتكرر حادثة “المنية”، لاسمح الله، فإن كان الفاعل، أو من سيرتكب حماقة أخرى، مسؤولا بالمعنى الإرادي عن الفعل، فهو لن يستطيع التحكم دائما برد الفعل.. فإن عظيم النار من مستصغر الشرر.. الساسة وقادة الرأي في لبنان، أو في متصرفية جبل لبنان كما كان يسمى قبل أن تخترع فرنسا “دولة لبنان”، عليهم مراجعة حساباتهم، والقيام بحملات مضادة، وتبني دعوات عقلانية قبل أن تكون إنسانية، فهؤلاء، أهل الخيام، ديارهم أولى بهم عندما يأمنون على أنفسهم فيها من حاكم البلاد، ومن ميليشيات إيران في لبنان، حزب الله وأشياعه.

Recent posts