تحت نظر المليشيات الشيعية وبإشرافها.. تقرير مصور يرصد تجارة المخدرات شرق سوريا

يضع الرجل الذي يرتدي ثوبا عربيا (جلابية) قطعة بنية من الحشيش ضمن صينية ألمنيوم قديمة.. يمسكها بيد وباليد الأخرى سكين تقطعها إلى حصص متساوية، وبجانبه رزمة أكياس بلاستيكية صغيرة يدس فيها لاحقا الحصص ليوزعها على المتعاطين.
بهذا المشهد افتتح التقرير المصور الذي أذاعته هيـئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وتابعته “زمان الوصل”، مصحوبا بتعليق صوتي يبرر فيه أحدهم انخراطه في تعاطي المخدارت وعقاقير الهلوسة، بأنه عائد إلى “البطالة وقلة الشغل”.
على عجالة، يسلط التقرير الضوء على تردي الأوضاع الأمنية ضمن “مناطق نائية شرق الفرات… تسكنها عشائر عربية سنية”، وتنشط فيها بقوة “خلايا لتنظيم الدولة”، ليقول إن أحدا لم يكن يتخيل أن تتحول هذه المناطق الممتدة بين دير الزور والرقة إلى سوق رائجة للمخدرات.
يتدخل متحدث باسم قوات الأمن الكردية (أسايش) التابعة لـ”قسد”، ليستعرض بعض جهودهم في مكافحة المخدارت بالمنطقة، مؤكدا أن حملتهم الأخيرة أفضت إلى تعقب أكثر من 182 متهما، 33 منهم تجار مخدرات، إلى جانب 71 مروجاً.
ويقول التقرير إن “قسد” تسيطر على المناطق الواقعة شرق الفرات، لكن هذه المليشيا “تفتقد للقدرة البشرية والمادية لفرض نفوذها على كامل هذه الجغرافيا”، وعليه تشكو “قسد” عبر أحد مسؤولي “إدارة مكافحة الجريمة” من أن معابر الدول المجاورة (المقابلة لمعابر قسد)، أغلبها “قائم على سيطرة جماعات وفصائل مسلحة”، متجاهلا أن “قسد” نفسها يصح فيها وصف الفصيل المسلح، وأنها تفتقر إلى كثير من مقومات الحكومة!
وعلى أي حال يمضي التقرير، ليشير إلى أن الأرياف البعيدة والمنعزلة تمثل معاقل نشاط مهربي المخدرات في شرق سوريا، وتحديدا عند أقصى الحدود السورية مع العراق قريبا من نهر الفرات، حيث “تجري أغلب عمليات التهريب”.
وحسب التقرير فإن الضفة الأخرى من نهر الفرات تشهد سيطرة كاملة لقوات النظام وفصائل شيعية من الحشد الشعبي، وقد قبل أحد مهربي المخدرات في مناطق “قسد” التحدث عن آلية التهربي، شرط إخفاء هويته.
يقول الرجل إن المصدر الأساسي لما يتلقاه من مخدرات هو من “العراق والساحل السوري”، حيث يوزع التاجر الرئيس ما يرده على المروجين الصغار بين البوكمال ودير الزور، وبدورهم يتولى هؤلاء المروجون بيعها في القرى، “حسب استهلاك كل قرية”.
وتلتقط العدسة لحظة عبور المهرب بقارب صغير من شرق النهر إلى غربه، ليستلم “البضاعة” ويسلم ثمنها، وتتضمن “البضاعة” عادة تشكيلة من الحشيش وحبوب الهلوسة والحقن المخدرة وحتى الهيروين.
يتدخل المهرب مرة أخرى معلقا: كل شيء يتم توزيعه حسب الطلب، مثلا 100 غرام أو 200 غرام هيروين، ومن كيلو إلى 5 كيلو حشيش، أما الحبوب فمن ألف إلى 10 آلاف حبة.
ويمضي التقرير موضحا أن موقع تسليم المخدرات الذي رصدته “بي بي سي” يقع قرب محطة تشرين لتنقية المياه، وهي منطقة خاضعة تماما للفصائل الشيعية، وبالتزامن مع مسح المكان بعدسة المصور، يتابع: “ويظهر التصوير وقوف أحد مقاتلي الفصائل الشيعية على بعد أمتار قليلة من مكان التسليم عند المحطة، دون أن يحرك ساكنا.. وتسيطر الفصائل الشيعية على منفذ غير شرعي يربط الأراضي السورية بالعراق”.
وهنا يُظهر التقرير أحد المنخرطين في تجارة الحشيش، مؤكدا أن المليشيات الإيرانية تتولى توصيل المخدرات للمكان الذي يريدونه (يريده المروجون)، وأن 90 بالمية من تجارة المخدرات تتولاها مليشيات إيرانية.
ويوضح معد التقرير أنه حاول الحصول على تعليق رسمي من “الحكومة السورية” أو من “الفصائل العراقية المدعومة إيرانيا”، لكن دون رد.
ويستدل التقرير بدراسة للأمم المتحدة تتعلق بالجريمة والمخدرات، تكشف أن الأراضي السورية المتاخمة لحدود العراق باتت “تشهد ازديادا مضطردا في تهريب المخدارت، وخاصة الحشيش من إيران عبر العراق إلى سوريا، فيما تشكل سوريا ولبنان مركزا إقليميا لتصنيع وتوزيع الحبوب”.
ويرجع التقرير للحديث عن معاناة سكان شرق سوريا الطويلة، وتزاوج الفلتان الأمني مع التردي الاقتصادي ما أحال حياة الناس إلى جحيم يومي، و”دفع الكثير منهم إلى تعاطي المخدرات”، حيث يشتكي أحدهم من انسداد كامل في الأفق، إن لناحية العمل وتأمين مورد المعيشة، أو حتى لناحية الخروج من المنطقة بأكلمها، وهو ما يعد صعبا للغاية.
ويختم التقرير مصرحا بانتقال عالم المخدرات في شرق سوريا إلى مستوى آخر، لا يكتفي بالتهريب والترويج، بل يقوم على زراعة نبات الحشيش كما هو الحال في مناطق من الرقة، حيث يعلق مسؤول “أسايش” في المنطقة معتبرا أن الدافع وراء زراعة الحشيش يتمثل في تحصيل الأرباح المادية، فضلا عن إمكانية ارتباط بعض زارعي هذه النبتة بجهات خارجية لنشر هذه الآفة في مناطق “قسد”، فـ”مناطقنا بدون استثناء مستهدفة من أجل استهداف تجربة الإدارة الذاتية”، حسب تعبير المسؤول.

Recent posts