حول الإجماع السوري على رثاء حاتم علي… ماهر شرف الدين*

كان لا بدَّ لمن أراد أن يطرح السؤال الذي أنا الآن في صدد طرحه، أن ينتظر جلاء عاصفة الرثاء التي خلَّفها الخبر المفاجئ والصادم عن رحيل المخرج السوري حاتم علي (58 عاماً).
ففي مشهد نادر، بعد الانقسام السوري البائن الذي أعقب اندلاع الثورة، وجد السوريون أنفسهم، معارضين وموالين، يقفون على الضفَّة ذاتها للإشادة بمناقب الراحل وموهبته.
لقد رثاه فنَّانون وأناس محسوبون على الثورة، ورثاه فنَّانون وأناس محسوبون على النظام. بل إنَّ بعض الفنَّانين من عتاة الشبّيحة ساروا في جنازته!
بالطبع لا يخفى على أحدٍ بأنَّ ثمَّة انطباعاً شائعاً وحقيقياً عن أن الراحل كان معارضاً صامتاً، أو بالأدقّ أنه كان متعاطفاً مع الثورة السورية، ولكن من دون أن يتَّخذ موقفاً سياسياً علنياً يترجم هذا التعاطف. فقد اكتفى بمغادرة سوريا وبالإدلاء ببعض التصريحات المقتضبة، القليلة والعمومية، والتي لم تقرب النظام وجرائمه بشكل صريح.
مع ذلك قامت “نقابة الفنَّانين”، في تمّوز 2015، بفصله من النقابة بذريعة “عدم تسديد الاشتراكات”، مع أن الجميع كان يعلم بأنه كان فصلاً ذا نكهة سياسية يتعلَّق بموقفه غير المؤيّد لجرائم النظام، والرافض لأن يكون جزءاً من آلته الدعائية.
بالطبع، مشهد الإجماع العام هذا الذي افتتحنا به كلامنا، يستولد الكثير من الأسئلة التي لا أجد مفراً من طرحها، مع احترامي الكامل للراحل وخياراته:
هل كان هذا الإجماع ليتحقَّق لو أن حاتم علي أعلن موقفاً سياسياً واضحاً وسمَّى الأشياء بمسمَّياتها، أو أدانَ علناً أي مجزرة من مجازر النظام؟
هل كانت الممثّلة سلاف فواخرجي، مثلاً، لتمشي في جنازته بدمشق، ولتبكي هذا البكاء كلّه وتندبه بهذا الشكل العلني، لو أنه قال كلمةً صريحةً في حقّ سيّدها بشار الأسد؟
بل هل كان سيُسمَح أصلاً لتابوته بأن يُحمَل
 على الأكتاف في سوريا ويُدفَن في ترابها؟
الأجوبة ليست صعبةً بالتأكيد، بل إنَّ لها من الأمثلة ما يصعب حصرها، وعلى الجانبين؛ من فنَّانين سوريين اتَّخذوا موقفاً سياسياً واضحاً سبقوا حاتم علي في الرحيل، ولم يقم برثائهم سوى جمهور الجهة التي أعلن هؤلاء الفنَّانون وقوفهم معها.
لقد حُرمت الفنَّانتان السوريتان مي سكاف وفدوى سليمان، على سبيل المثال، مما صار يمكن تسميته بـ”حقّ عودة التابوت”، والسبب موقفهما السياسي الصريح.
ما أودُّ الوصول إليه من هذا كلّه هو أنَّ الإجماع السوري على رثاء حاتم علي يمكنه -دون قصد- أن يُقدِّم مثالاً تضليليَّاً خطيراً عمَّا يجب أن يكون عليه موقف الفنَّان والمبدع. حيث اللون الرمادي، والهرب من المسمّيات، والالتحاف بالصمت.
إنه إجماعٌ يقول –دون قصد مجدَّداً- للفنَّانين والمثقَّفين السوريين الذين اتَّخذوا موقفاً سياسياً صريحاً مع ثورة شعبهم إنهم كانوا على خطأ، وإن نموذج الفنَّان والمثقَّف الوطني هو ذاك الذي يحاذر إعلان موقفه، والذي يكسب رضا الجميع… بالصمت!
هذا الصمت الذي أُغدِقَ عليه الكثير من المديح، حتى وصل إلى مرحلة التمجيد في أحد البيانات المنشورة والموقَّعة بأسماء أصدقاء… كلّي رجاء ألا يفهموا من كلماتي هذه أنني أُنصِّبُ نفسي قاضياً أو وصياً على مواقف أحد السوريين، بل إنما هي مجرَّد محاولة من كاتبٍ منتمٍ لهذه الثورة لأن يقول رأيه الصريح، دون تعكير صفو أيّ إجماع سوري.

Recent posts