أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش ” أن تقاعس نظام الأسد عن معالجة أزمة الخبز، الناجمة عن عقد من النزاع المسلح، بصورة عادلة وملائمة يدفع بملايين السوريين نحو الجوع.
وشددت المنظمة في تقرير لها أمس الإثنين، أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، إلى جانب التدمير الكبير للبنية التحتية من قبل الحكومة السورية وحلفائها في المقام الأول طوال عقد من النزاع، أدى إلى نقص حاد في القمح.
وأوضحت المنظمة أن نظام الأسد فاقم الأزمة لأنه سمح بالتمييز في توزيع الخبز، إلى جانب الفساد والقيود على كمية الخبز المدعوم التي يمكن للناس شراؤها، وهي عوامل أدت إلى الجوع.
وقالت الباحثة في المنظمة “سارة الكيالي”: “يقول المسؤولون السوريون إن ضمان حصول الجميع على ما يكفي من الخبز هو أولوية، لكن أفعالهم تظهر عكس ذلك. الملايين في سوريا يعيشون الجوع، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى تقصير الحكومة في معالجة أزمة الخبز التي ساهمت في خلقها”.
وأضافت: “القيود التي تفرضها سياسات الحكومة السورية بمواجهة أزمة الخبز تزيد الأمور سوءا، ما أدى إلى ظهور سوق سوداء تخدم الأغنياء ومن لديهم ́واسطة̀. على الحكومة السورية ضمان توزيع الخبز بكميات ونوعيات ملائمة على كل من يحتاج إليه في جميع المناطق التي تسيطر عليها”.
وأشارت المنظمة أنه وحتى شباط/فبراير، كان 12.4 مليون سوري على الأقل، من بين عدد السكان المقدر بحوالي 16 مليون، يفتقرون إلى الأمن الغذائي، بحسب “برنامج الأغذية العالمي”، بزيادة مقلقة قدرها 3.1 مليون في عام واحد. تقدر “منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ” (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي أن 46% من الأسر السورية قللت حصصها الغذائية اليومية، وخفّض 38% من البالغين استهلاكهم لضمان حصول الأطفال على ما يكفي من الطعام.
ونقلت المنظمة عن سكان يعانون أصلا من نقص حاد في الغذاء، قولهم إن هذه سياسة النظام جعلت الأمور أسوأ، حيث خفضت العائلات عدد وجباتها وأصبح الأمهات والآباء يجوعون لإطعام أطفالهم.
ووصف السكان التمييز في التوزيع، ففي بعض المناطق توجد طوابير منفصلة لكل من الجيش والأمن، والسكان، والنازحين، الذين لهم الأولوية الأدنى. يقول تقرير صادر عن “معهد نيوزلاينز” إن الأجهزة الأمنية السورية تتدخل في توزيع الخبز والقمح، بما يشمل أخذ الخبز من المخابز وبيعه في السوق السوداء.
ولفتت إلى أن الأسر الميسورة يمكنها شراء “الخبز السياحي”، ذي الجودة الأفضل وغير المدعوم، بكميات أكبر، أو شراء الخبز من السوق السوداء، حيث يكون سعره أعلى بـ 150 % على الأقل من الخبز المدعوم، وقال ثلاثة من السكان إن الأفران التي تبيع الخبز السياحي لديها إمدادات منتظمة، لكن المخابز الحكومية قد لا تتمكن من إنتاج الخبز لأيام. قال أحد السكان: “يمكنني العثور على الخبز في أي مكان أريده، ولكن ذلك لأن لدي المال لأدفع ثمنه”.
وبين التقرير أن العديد من المخابز دُمرت أو أصبحت غير صالحة للعمل أثناء النزاع، ولكن من الصعب تأكيد العدد الدقيق المتضرر.
وأكد التقرير أنه بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يشكل الحق في الغذاء جزءا من حق كل فرد في مستوى معيشي لائق. ويتم “إعمال الحق في الغذاء عندما يتاح ماديا واقتصاديا لكل رجل وامرأة وطفل بمفرده، أو مع غيره من الأشخاص، في كافة الأوقات، سبيل الحصول على الغذاء الكافي أو وسائل شرائه”.
ويتكون هذا الحق من أربعة مكونات رئيسية: التوافر، وإمكانية الوصول، والكفاية، والاستدامة، والتي تتطلب توفير الغذاء “بكمية ونوعية تكفيان كافية لتلبية الاحتياجات التغذوية للأفراد وخلو الغذاء من المواد الضارة وكونه مقبولا في سياق ثقافي معين”، وجعل الغذاء متاحا “بطرق تتسم بالاستدامة ولا تعطل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى”.
وشددت “هيومن رايتس ووتش” على أن “الحكومة ملزمة بمراجعة القيود على كمية الخبز المدعوم التي يمكن للأسر الحصول عليها حتى لا تجوع، وتقديم دعم إضافي للأسر غير القادرة على تحمل تكاليف المواد الغذائية الأساسية. على الحكومة أن تضع حدا لانتهاكات أجهزتها الأمنية، بما فيها تدخلها التمييزي في توزيع الخبز والطحين. على روسيا أن تزود سوريا بالقمح، بصفتها حليف أساسي لسوريا ولديها مسؤولية مشتركة عن العمليات العسكرية التي ساهمت في الأزمة الجارية”.
وبموجب القانون الإنساني الدولي، فإن روسيا، بصفتها طرف في النزاع في سوريا، مسؤولة عن تقديم تعويضات عن الانتهاكات التي كانت ضالعة فيها، بما في ذلك رد الحقوق والتعويض عن الخسائر، والتي قد تشمل إصلاح المخابز وسلاسل التوريد، أو توفير صادرات القمح بالقدر الذي يغطي خسارة الأراضي الزراعية المحترقة/البنية التحتية المدمرة التي كانت روسيا مسؤولة عنها، وفقا للمنظمة.