ليس غريبًا أن يخرج “عبد الله العمر” ليتحدث عن أوضاع اللاجئين “الممتازة” في مخيمات الشمال، وعن توفر كافة الخدمات من تدفئة وماء نظيف ومعونات ورعاية صحية، وأن يقف في بث مباشر أمام طريق جافة، حيث لا فيضانات طينية ولا بشرا يغرقون.
عدم الغرابة يأتي من كون هذا الرجل خرج من مدرسة النظام ولم يتركها، وليس هذا فحسب، بل من أسوأ صفوفها، حيث الكتابة لا تعني سوى ما تأتي به من مال وجاه رخيص، وأما عمله قبل اندلاع ثورة السوريين العظيمة فيقتصر على تلميع صورة مسؤولي النظام طبعاً من منصب محافظ فما دون، أو الجري عبر شبكة من الفتيات إلى أحضان فناني الصف الثاني والثالث والإعلان لهم.
العمر لا يمثل سوى عينة عن طبقة الدخلاء التي انتعشت زمن الثورة، وتعتقد أنها الواجهة الناصعة لإعلام المعارضة الذي كان من المفترض أن يحل مكان إعلام السلطة الواحدة الأبدية، حيث لا صوت سوى صوت النظام وخطابه، لكنها للأسف كررت تجربته، بل أنتجت أسوأ من زبانيته الذين يطبّلون له، من نشطاء الفصائل الذين عمموا شخصيات دخيلة ومارقة وصنعت منهم ثواراً ثم كانت الطامة الكبرى عندما اتضحت ثرواتهم وانبطاحهم للنظام تارة وللروسي وسواه في مرات عدة، وقدموا أنموذجاً عن الثائر المأجور.
انتقل هؤلاء بعد تسليم المناطق المحررة للعمل في مؤسسات مهاجرة ولاجئة، واستمروا في خطابهم السطحي مع إضافات جديدة في تمجيد رب العمل والممول، وانتفخت ذواتهم اليوم لدرجة الاعتقاد بأنهم المثال الكبير عن ثورة شعب ما زال يدفع حتى اللحظة ثمن مساهمة الغوغاء في تشويه صورته والدفع بها نحو المجهول.
هؤلاء وجدت فيهم المؤسسات -التي تعمل لصالح أجندات خارجية أمنية وسياسية- ضالتها فهم لا يمتلكون أي تجربة حقيقية في السياسة والإعلام، ومضطرون للعمل مع أي أحد من أجل أن لا يموتوا على الأرصفة جوعاً، وفي أقصى طموحاتهم أن تقوم السفارات الأوروبية بتأمين هجرتهم حيث الحياة فقط (أكل ومرعى) كما يقول المثل السوري.
وللإنصاف لا يمكن تحميل هؤلاء وزر هذه الرداءة والفشل لأن من صنعتهم مؤسسات كان دورها ينحصر في صناعة هذا الأنموذج الذي سينفذ دون أي اعتراض ما سيطلب منه عند الحاجة إليه، وهذه الدكاكين هي من روجت للجهاد والمفخخات وقطع الرؤوس وتكفير الثورة عبر منصاتها مدفوعة الثمن، وبعضها ما زال يعمل حتى اللحظة ولم يستطع تجاوز العقلية النفعية في التعامل مع الثورة على أنها منظمات داعمة وتمويل خارجي.
بالتأكيد فإن هناك ناشطين تعلموا المهنة وأبدعوا فيها، وبعضهم طوّر أدواته بطريقة مدهشة تفوق أداء المحترفين الذين ساهموا بحيادهم وتعاليهم على إظهار إعلام الثورة بهذا البؤس، ومع ذلك يتقاسم الجميع مسؤولية هذا الترهل والضياع لأن المتخاذل والجاهل والمرتزق في خانة واحدة عندما يتعلق الأمر بوطن ينزف دماً وتاريخاً.