يتناول الفيلم الوثائقي “محرقة الشباب” للمخرج السوري الشاب “مصطفى الأبو حسنة” موضوع نشأة التطرف وأسبابه وتأثيراته على القضية السورية، وكيف انقلب محور الثورة مع دخول الجماعات الإسلامية الراديكالية المتطرفة، لتدخل هذه الثورة في منعطف جديد.
ويحاول الفيلم عبر 19 دقيقة أن يوضّح أن السبب الرئيسي للتطرف هو القراءة الخاطئة للدين نتيجة الجهل من جهة ونتيجة لظلم الأنظمة المستبدة من جهة ثانية، ويدحض الفيلم الادّعاء بأن التطرّف سببه النصوص الدينية، وهي إشكالية كبيرة كانت ولا تزال محل جدل بين أهل العلم الشرعي ومنظرّي العلمانية، وهل المشكلة في الدين أم في النصوص أم في التراث أو بأهل العلم الشرعي؟
ويتضمن الفيلم بحسب مخرجه “مصطفى الأبو حسنة” سرداً تاريخياً للأفكار المراد إيصالها من خلال مقابلات مع مختصين، وهي الركيزة الأساسية للفيلم ومنها مقابلة مع الدكتور “ماجد درويش”، وهو أستاذ محاضر في الشريعة الإسلامية والدكتور “غسان الخالد” المحاضر في علم الاجتماع للإضاءة على الموضوع من الناحية الشرعية والسيكولوجية.
وحول دوافع إنجازه للفيلم في هذا الوقت بالذات أوضح “الأبو حسنة” أن موضوع التطرف والأخذ والرد فيه ليس جديداً أو ابن ساعته، بل هو قديم وما زال الجدال فيه قائماً، وزادت وتيرته مؤخّرا مع ظهور تنظيم “الدولة” في سوريا والعراق، وانطلاقاً من رؤيته كشخص أو صانع أفلام أخذ على عاتقه-كما يقول- اتباع الوسطية ما بين الفكر التنويري المبالغ بالدعوة للابتعاد عن القيم والانسلاخ عن الثقافة الإسلامية المتأصلة بالمجتمع، والفكر المتشدد في فهمه للنصوص الإسلامية وفي ممارسته لتعاليم الشريعة -إن صح التعبير- وما بين فكر الآخرين الذين يزعمون أن الإسلام هو مصدر الإرهاب والتطرف في العالم، وما بين الذين يحاولون تمييع الدين وتجريده من مبادئه إرضاءً للطرف الأول الذين يصعب إرضاؤهم.
واستدرك محدثنا أن الفيلم وهو من إنتاج “وكالة تريند” وهي مشروع وكالة إعلامية سورية، بدأ فيه مع بعض من أصدقائه الذين يتقاسمون وحدة الرؤية والهدف، لافتاً إلى أن “محرقة الشباب” أول فيلم يخرجه مع فريق عمل شبابي متألق يتوزّع جغرافيا ما بين لبنان وتركيا والشمال السوري.
وأضاف أنه حاول توضيح هذا اللغط لدى نوعين من الناس -مضلّل بهم- وهم من فئة الشباب متواضعي الثقافة والمستوى التعليمي، وكوّنوا هذا الحكم المسبق على الإسلام بأنه دين تطرف تقليدًا أعمى للقسم الآخر، وهؤلاء هم من يعرفون حقيقة الإسلام، ولكنهم يلعبون دور المضللين، ونوّه صانع الفيلم إلى أن فيلمه توقف عند جانب مهم جداً وهو ظلم الأنظمة العربية الحاكمة واستبدادها وكيفية صناعة التطرف في أقبية المعتقلات من خلال مفهوم المظلومية.
وعن رؤيته للعوامل التي ساهمت في تكريس نظرة حيال الإسلام بزعم أنه دين التشدد والتطرف، أشار “الأبو حسنة” إلى أن هناك عوامل عدة لهذا الأمر أولها الدعاية السياسية عن طريق الإعلام سواء منه الليبرالي المتشدد وليس الليبرالية العادية وإنما الإعلام المتطرف من خلال تكريس أن الإسلام هو دين التطرف والتشدد إلى جانب إعلام أصحاب “النظرية القومية المتطرفة غير المتصالحة مع الدين”، والذي يحاول أيضاً تكريس النظرة ذاتها وإسباغ هذه الصفة غير الواقعية على الثورات، والأنظمة العربية وعلى رأسهم النظام السوري الذي أخرج الكثير من الإسلاميين من المعتقلات ليشكلوا تنظيمات إسلامية متشددة ويسبغوا على الثورة لون السواد والتطرف.
وتابع: “في الجانب الآخر يبرز ذلك الإعلام مفتو السلاطين أمثال “أحمد بدر الدين حسون” ومفتي “السيسي” بينما يتم تهميش الإسلام الوسطي المتمثل بأهل العلم الشرعي الحقيقيين الذين كانوا الأوائل في مناظرة التشدد الإسلامي والرد عليه من جانب، وفضح الأنظمة المستبدة ورجال الدين الذين يطبّلون لها من جانبٍ آخر”.
ولفت “الأبو حسنة” الذي يعمل مُعداً في “وكالة تريند” ومخرج “فريلانس” مع جهات عديدة إلى أنه حاول من خلال فيلمه أن يكون موضوعياً قدر الإمكان علماً أن الموضوعية شيء صعب، فلابد لصانع المحتوى من أن ينحاز -حسب قوله- إلى رؤية ما دون أن يشعر.
وأردف أن مسألة التحيّز من عدمها تقف على تقييم الناس ونظرتهم للعمل، ولكنه جهد -كما يقول- على تناول فكرة الفيلم بموضوعية وطرح الأسئلة على المتخصصين وهم من يجيب ويكون الرأي على عاتقهم.
ولكن هل كانت هناك مقاربات لوضع الشباب السوري في ظل الحرب داخل وخارج البلاد، وكيف كانت صورتهم من خلال فكرة الفيلم؟، يجيب “الأبو حسنة” أن فيلم “محرقة الشباب” لامس هذا الأمر من جوانب متعددة فمع بداية الثورة السورية تمسك الشباب السوري بالحراك السلمي والمظاهرات، وبعد ذلك دخل الفكر المتشدد على الساحة نتيجة المظلومية والاستبداد والقتل الذي وقع على يد النظام السوري ليجد بيئة خصبة للتأثير بالشباب وسوقهم إلى المحرقة دون أن يشعرون، فتم التأثر بالخطاب الديني العاطفي من قبلهم من وغلب الحماس لديهم على العقلانية متأثرين بشعارات “الخلافة” و”تحكيم الشريعة” وغيرها من الشعارات المماثلة، دون إي إدارك لـ”مقاصد الشريعة”، وهو مثال تكرر -حسب قوله- في أفغانستان وسوريا والعراق ومصر، واستغل نظام الأسد هذا الجانب على أكمل وجه وتمكّن من تدمير سوريا بعد أن أدخل جيوشا وعصابات حليفة إلى البلاد بحجة مكافحة الإرهاب الذي هو صناعة أسدية بامتياز.
وختم المخرج الشاب مشيراً إلى أنه لا يقصد في فيلمه هذا ولا في أي عملٍ من أعماله السابقة والمستقبلبة مهاجمة أي طرف، بل على العكس تماماً، يفعل ما بوسعه لتقريب وجهات النظر المتضاربة إلى الحل الوسط وهذا ما تحتاجه سوريا المستقبل ويحتاجه كل السوريين.
وولد المخرج “الأبو حسنة” في “قلعة المضيق” بريف حماة 1991 ودرس العلوم السياسية في جامعة دمشق، ولكنه لم يتمكن من الإكمال بسبب ظروف الحرب، فانتقل إلى “طرابلس” ليلتحق هناك بكلية الإعلام قسم الإذاعة والتلفزيون في جامعة “الجنان”، وتخرج منها في العام 2017 وكان مشروع تخرجه آنذاك فيلم وثائقي قصير بعنوان “صُنع بسحرك” تناول فيه المقامات الموسيقية وعلاقتها بالإلقاء، ليعاود إكمال دراسته في العلوم السياسية في جامعة “الجنان”، وهو الآن في مرحلة إنهاء بحث التخرّج، ليلتحق بمرحلة الماجستير في الإعلام بالفصل الدراسي القادم.