أهالي سراقب النازحون بين حوالات المغتربين وسماسرة العقارات

قبل وصول خطوط القتال إلى وضعها الحالي كسب الروس وجيش النظام عدة مدن ومناطق إستراتيجية، وعمد مباشرة بعد تهجير أهلها إلى (تعفيشها) اولاً، ثم تحويلها إلى مناطق عسكرية لا يسمح بالتصوير داخلها ولا يسكنها فعليا حتى الآن سوى قوات لميليشات إيرانية ولبنانية وغيرها.
تعد “سراقب” نموذجاً واضحاً لحال هذه المدن، وتعتمد الزراعة بكل أنواعها مصدراً رئيسياً لدخل أبنائها، وتوفر فرص عمل لكثير من العاملين فيها سواء من ملاك الأراضي أو العاملين في الأراضي!
ويمكننا القول إنه حتى السمعة التجارية التي تتمتع بها “سراقب” نتيجة موقعها الجغرافي ما بين البادية السورية والمناطق الغربية ناتجة أساساً عن الزراعة، فالأسواق التجارية الكبيرة (البازار) والصناعات الزراعية فيها تعتمد أيضا الزراعة والمزارعين من الريف الذين غالباً يبيعون ويشترون من المدينة اعتماداً على مواسمهم أيضاً.
لذلك، فالكارثة التي أصابت البلدة مضاعفة، حيث خسر الناس بيوتهم، ومزارعهم، وتجارتهم، ويضاف إلى ذلك خسارة قسم من النازحين السوريين من مناطق أخرى في سوريا لمكان نزوحهم، حيث كانت “سراقب” تستقبل العديد من العائلات السورية من مختلف المحافظات.

*المشاريع الزراعية

بمجرد سيطرة النظام وميليشياته على المشاريع الزراعية لأهالي المدينة قطعوا أحد أهم شرايين الحياة بالنسبة لأبنائها، وهي المواسم الفصلية التي كانت تحيي المدينة وريفها وعموم المنطقة في إدلب، وانقطع بالتالي عن أهلها موردهم المالي الأساسي وتحولوا بدورهم إلى نازحين في مناطق ريفي حلب وإدلب.
كان لا بد للمدخرات لدى أي عائلة من النفاد بعد تهجير تجاوز العام ومصروف شهري يشمل أجرة المنزل وتأمين المستلزمات المعيشية في ظل ارتفاع أسعار طال كل السلع الأساسية، وهنا بدأت تتوضح معالم مصيبة أخرى.
كان لابد للعائلات من دخل مالي للحصول على أبسط مقومات الحياة، وهذا دفع البعض بعد وصوله لمرحلة الاستدانة والطلب، إلى عرض أراضيهم الزراعية للبيع، الأمر الذي كان يعد سابقاً شيئاً نادر الحدوث.
بحسب (د.ق) وهو مزارع من “سراقب”، فإن الدخل الرئيسي أصبح يعتمد على حوالات المغتربين، وحين تشح هذه الإمكانية وتزداد الضغوط يقوم من يملك بقايا من مصاغ ذهبي ببيعه مما يساعده مؤقتا، ولكن في النهاية لا يبقى سوى البيع كحل وحيد.
يقول (د.ق) إن كثرة العرض سرا أو علانية زادت من أعداد ما يسمون بـ(الدلالين)، وهم أشخاص بعض من أهل  البلدة أو خارجها، يقومون بنوع من الوساطة بين البائع والشاري ويحصلون على نسبة من عملية البيع.
ويوضح أن الشاري غالبا هو من المغتربين، قد يكون من الأقارب للبائع أو شخصا آخر، فبحسب قوله فإن هؤلاء فقط الآن من يملكون المال للشراء، أما المشكلة الحقيقية، يضيف، فهو استغلال الواقع بحيث تباع الأرض بقيمة تعادل ربع قيمتها الفعليه أو أقل من ذلك، لأن البائع أصبح مضطراً ومستعداً للبيع بهكذا أسعار، فقسم يرغب البيع للمعيشة، وقسم آخر يقوم بالبيع لغرض الهجرة من البلد.
في هذا الأمر يقول (م . ر)، وهو أيضا مزارع من أهالي “سراقب” “إن الوضع أصبح كارثيا قمت ببيع بعض الهكتارات قبل النزوح بسعر أفضل من المعروض الآن، ولكنه بكل حال لا يعادل القيمة الفعلية للأرض”، ويضيف بحسرة منذ أن خرجنا نازحين قبل عام ونحن نعتمد في مصروفنا على المبلغ الذي لدينا من بيع الأرض، لا أعرف ماذا نفعل حين ينتهي، ربما لبيع  قطعة أخرى، ببعض من التفاؤل يقول ربما في حال وصول أبناء أخي إلى أوروبا يتحسن الوضع لدينا قليلاً، لكنهما مازلا عالقين في تركيا واليونان!
بقية الحلول التي حاول البعض القيام بها وهي إنشاء محلات تجارية في مناطق نزوحهم أيضاً لم تكن مجدية، فالكثير حاول ثم تراجع عن المشروع، السبب يعود كما قال السيد (ع .ج)، وهو تاجر أٌقمشة، إلى تراجع القوة الشرائية والغلاء، يضاف إلى ذلك ارتفاع أجرة المحلات، ما يتسبب بإقفال كثير من المشاريع التجارية الصغيرة.
وفي هذا الإطار فالتحويلات المالية من المغتربين تبقى الحل الأسرع والشريان الأول لاستمرارية العيش في ظل الظروف الاقتصادية المتردية، ريثما يظهر في الأفق بصيص أمل.  

ولا بد من التذكير بأن معظم مزارعي “سراقب” رفضوا بيع أراض ومزارع حين رفع “رامي مخلوف” وشركاؤه أسعار الأراضي الزراعية في المنطقة إلى أرقام فلكية في الأعوام التي سبقت الثورة.

Recent posts