اعتمادا على زمان الوصل..تحقيق استقصائي هولندي يتوصل إلى مرتزقة جدد متخفين بثياب اللجوء

منذ اللحظات الأولى لرحلات الشتات السوري وحالة الرعب لم تفارق المهجرين لأن شبح نظام الأسد تجسد على الأرض الجديدة في شبيحة على هيئة بشر كانوا يصنعون الموت قبل أن يزاحموا الفارين من الموت على اللجوء في الدول الأوروبية.
وخلال الشهور الأخيرة لم يعد الأمر يقتصر على حصول شبيحة النظام على اللجوء -ونقصد بهم هنا المشاركين في المجازر وقتل المدنيين العزل- بل وصل بهم الحال إلى المفاخرة بموالاتهم للأسد واعتبار قتالهم إلى جانبه “بطولة”، وهذا ما حدث مع “بشار” الذي لم يكن تاريخه معروفا في البداية للاجئين في منطقته بهولندا التي أعطته حق اللجوء، إلى أن تعرف على هذا التاريخ “رائد” بعد أن ربطت عائليتهما صداقة من طرف الزوجات وزيارات وحفلات ووجبات سورية.
ينقل التحقيق الاستقصائي الهولندي الخاص بموقع NRC الذي اعتمد على “زمان الوصل” كمصدر رئيسي عن “رائد” إنه رأى صورة “بشار” أثناء تصفحه لوسائل التواصل الاجتماعي، نشرت أواخر العام 2014 على صفحة “فيسبوك” لأحد أصدقاء “بشار” المقربين، يظهر فيها الأخير هو يرتدي سترة واقية من الرصاص ويحمل بندقية هجومية من طراز A9-91.
ويضيف “رائد” أن الصورة لم تكن الوحيدة حيث توالى العثور على صور لـ”بشار” ومنها وهو يرتدي زيا عسكريا عليه شارات الأمن العسكري التابع للأسد، وذلك على خلاف ما يدعى الرجل الذي يعيش الآن في قرية هولندية هادئة، بأنه كان يعمل مصففا للشعر في سوريا وخسر ذراعه في حادث مروري.
صور “بشار” أعادت لـ”رائد” شريط الذكريات القاسي عندما اعتقل في سجون الأمن العسكري أربع مرات بسبب معارضته لنظام بشار الأسد، ولهذا حسم أمره بعد استشارة أصدقاء هولنديين يقيمون في نفس القرية التي يسكن بها “ديرنثي”، ناصحين بالتوجه إلى قسم الشرطة لتقديم بلاغ ضد القاتل المتخفي بثياب لاجئ.
ما توصل إليه “رائد” أثبته أيضا لاجئون مقربون من “بشار”، مشددين أنه خلال المناسبات والجلسات يتباهى بماضيه في سوريا، وأخبرهم أنه كان يعمل لدى ضابط رفيع المستوى، وكان عنصرا في الأمن العسكري وانضم لاحقا إلى “وحدة المداهمة – الفرع 215”، وكان يسوق معارضي النظام من منازلهم.
ويؤكد “رائد” أن “هؤلاء هم الأشخاص الذين فررنا منهم.. لكن هنا في هولندا، توجد قواعد وقوانين، إذا لم يتم معاقبتهم هناك، فينبغي القيام بذلك هنا”، مشيرا إلى أن وزير الخارجية الهولندي، “ستيف بلوك”، أطلق في أيلول/سبتمبر الماضي “خطة طموحة” قد ترفع هولندا الدولة السورية إلى المحكمة باستخدام مسار قانوني غير عادي، وهي معاهدة دولية لمناهضة التعذيب وقعت عليها سوريا بالاشتراك عام 2004.
“رائد” ليس الشخص الوحيد الذي حذر السلطات الهولندية من “بشار”، فبعد رؤية الصور المقلقة، تقدم رجل آخر بشكوى جنائية، وتم إنهاء التحقيق اللاحق في غضون شهرين بسبب “نقص الأدلة”.
* من لواء القدس إلى هولندا
التحقيق الهولندي توصل إلى مرتزق آخر من أصل فلسطيني يتخفى وراء صفة لاجئ في إقليم “نورد هولاند” الهولندي، شارك أثناء وجوده في سوريا بمجازر ميليشيا “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة” التي كان عضوا فيها، ومنها انتقل إلى ميليشيا لا تدانيها إجراما وهي “لواء القدس” الذي خاض معارك كثيرة في غالبية المدن والبلدات السورية دفاعا عن الأسد.
ودرس “ياسين” المولود في مدينة حمص عام 1966 الهندسة الميكانيكية، وقضى بضع سنوات في العمل في روسيا، قبل أن يعود إلى  حمص نهاية تسعينيات القرن الماضي، ليؤسس فيها شركة إنشاءات كبيرة، وكان من الشخصيات المحلية البارزة في مخيم “العائدين” للاجئين الفلسطينيين. وينشر “ياسين” بشكل متسمر على صفحته “فيسبوك”، أخبار ميليشيا “لواء القدس”، وصورا يظهر فيها إلى جانب قادتها الكبار مثل “محمد السعيد” و”عدنان السيد”، كما ظهر عدة مرات على صفحة الميليشيا وهو يرتدي زيا عسكريا، وفي إحدى الصور ظهرت عبارة “لواء القدس” بوضوح على ذراعه الأيمن.
وتقول مصادر عدة مقربة من “ياسين” إنه كان وسيطا بين نظام الأسد وسكان مخيم “العائدين”، وفي بعض الأحيان تمكن من الإفراج عن السجناء، وكذلك اعتقال المعارضين السياسيين، مشيرة إلى أنه “ربما لم يشارك في العمل العسكري بنفسه مع لواء القدس، لكنه شارك في حملات تجنيد الشبان بما في ذلك القصر”.
والتحق “ياسين” بعائلته في هولندا كما تقول المصادر صيف عام 2017 ، وعاد إلى حمص في زيارة عام 2019، زاعما أنها كانت لزيارة العائلة والحفاظ على علاقات جيدة مع النظام، قال إن سلطة الهجرة الهولندية حققت بالفعل معه، لكنها لم تتخذ أي إجراء، لهذا السبب هو يخشى التحدث عن ذلك.
ورغم أن كلام وزير الخارجية “ستيف بلوك” قال: “نحن مدينون للضحايا وعلينا أن نظهر للعالم أننا لا ندع مثل هذه الأشياء تمر دون عقاب”، فإن أتباع الأسد يواصلون التجول بحرية في البلدات والقرى الهولندية، فالقضايا الثلاث المتعلقة بجرائم الحرب التي رفعها المدعي العام الهولندي ضد مواطنين سوريين تتعلق بأعضاء في “منظمات إرهابية أو سلفية”، على عكس ألمانيا، لم تحاكم هولندا أي فرد قاتل إلى جانب نظام الأسد.
ويأتي ذلك في ظل وجود قسم خاص لدى سلطة الهجرة الهولندية يسمى (وحدة 1F)، وهي مكلفة بمهمة تعقب اللاجئين الذين ربما ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وفي الآونة الأخيرة، راجعت الوحدة ملفات لـ12570 شخصا سوريًا تتراوح أعمارهم بين 17 و 35 عامًا والذين مُنحوا حق اللجوء في هولندا بين كانون الثاني/يناير 2011 وكانون الثاني/يناير 2016.

Recent posts