الأسد يستنجد العالم الديمقراطي… عدنان عبدالرزاق*

بتوجس ومخاوف سألت “سياسياً سورياً” عن مفاعيل رسائل الأسد بالوكالة، التي تتهافت على الإدارات ومراكز القرار بالولايات المتحدة وأوروبا، فقال “لا تشغل بالك، علاك ولا يؤثر”.
ورغم أني أتمنى أن تكون تلك المناشدات، الممزوجة بشيء من الإنسانية وأشياء من المصالح “علاكاً” لكني لم أزل متوجساً من أن تجد تلك النداءات والرسائل آذاناً، فتزيد من فك عزلة الأسد وتكسر حصاره وربما تساهم بإعادة إنتاجه، خاصة أن تلك الرسائل، ما هي إلا واحدة، من حملات منظمة وممولة، بدأت وستستمر إلى حين موعد الانتخابات الرئاسية بسوريا، وقد تضع، فضلاً عن رشى ومحادثات وتنازلات، السوريين بسبع عجاف أخرى وتبقي ابن أبيه على كرسي الوارثة.
والحكاية يا سادة، أن شخصيات سورية وعربية وأوروبية، دبجت رسائل إلى الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، ومثلها للرئيس الفرنس ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل، وغيرهم كثر بمراكز القرار العالمي، يطالبون فيها برفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن نظام الأسد.
ووقع على هذه الرسائل، نحو 95 شخصية، ينتمي الجزء الأكبر منهم إلى فئة رجال الدين المسيحيين في سوريا ولبنان والعالم، بالإضافة إلى سياسيين ونواب وباحثين أكاديميين أوروبيين وعرب.
ولتأخذ الرسائل البعد الإنساني التضليلي، استندت إلى بيان ودعوة خبيرة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ألينا دوهان، بأن العقوبات، وقانون قيصر أولاُ، قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي في سوريا، وتعرّض الشعب لعقاب جماعي وانتهاكات حقوق الإنسان.
ثمة نقاط عدة، يمكن الوقوف مطولاً عندها، نظراً للخلط والتضليل ودعوات الحق التي يراد بها ومنها، باطل.
أولى تلك النقاط، أن حملة التضليل التي يشرف عليها ويقودها، رئيس الجمعية السورية البريطانية، فواز الأخرس “حمو بشار الأسد” تتكئ على “قومجيين عرب” بالدرجة الثانية، وعلى رجال دين مسيحيين بالمقام الأول، ولا حاجة للشرح والاستفاضة، بـ”لماذا رجال الدين” لطالما الاستغاثة موجهة للغرب الذي تعززت لدى بعضه قناعات، بدور وأثر “الإسلام” على الإرهاب والتطرف والحيؤولة دون تحقيق الخطط والمصالح.
ومن قبيل الذكر لا الحصر، فقد وقع على المناشدة (الأكاديمي والباحث الفلسطيني مكرم خوري مخول، مؤسس “المركز الأوروبي لدراسة التطرف” في العام 2016 وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، ورئيس كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك البطريرك جوزيف عبسي، والأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط اللبناني ميشيل عبس، والمطران جوزيف أرناؤوطيان أسقف دمشق للأرمن الكاثوليك، والمطران أنطوان أودو أسقف الكلدان الكاثوليك في سوريا، ورئيس أساقفة حلب للروم الملكيين الكاثوليك المطران جان كليمان جنبرت، والأب إلياس زحلاوي رئيس كنيسة العذراء الملكية في دمشق، والقس إبراهيم نصير، راعي الكنيسة الإنجيلية المشيخية في حلب).
النقطة الثانية بحملات التضليل، هي نسب التجويع وتردي الوضع الإنساني إلى العقوبات والحصار، وهنا، لا يمكن التنكر لأثر العقوبات والحصار على زيادة ذلك الوضع، لكنها البتة ليست السبب، فحينما بدد وريث الحكم بدمشق، احتياطي المصرف المركزي، نحو 18 مليار دولار، على التسليح والرشى والقتل، لم يك من عقوبات على سوريا، وحينما اختار الأسد الابن، العنف والسلاح للرد على مطالب السوريين، كان المصور قيصر يعمل لديه، كما أن نسبة الفقر والبطالة بدولة الأسد، بلغت الأسوأ بالعالم، قبل صدور أي حزمة من قانون قيصر، والذي بالأساس، لم يأت على الغذاء والدواء ومصالح السوريين.
بمعنى، مشكلة سوريا ليست بالدستور ولا بالعقوبات ولا حتى بقلة الموارد، بل أس مشكلتها وأساسها، بتوريث الحكم لمراهق معقّد، أوصل عدد المهجرين لنحو 8 ملايين والنازحين لمثلهم..وحكم على سوريي الداخل، بالفقر والذل والحرمان.
ما يعني، الحل يبدأ من المشكلة التي شبعت توصيفاً وشرحاً، وليس بالغرق ببعض النتائج التي ستتفاقم بحال استجاب زعماء الديمقراطية، لرسائل التضليل وتزييف الحقائق، وتابعوا سلسلة جرائمهم، وأعادوا إنتاج الوريث بالمملكة السورية الأسدية.
وأما ثالثة الأثافي فتكمن بأداء ورد فعل المعارضة السورية والعالم المتحضر، سواء على ترشيح بشار الأسد أو ما يحاك من أضاليل، عبر حملات بدأت تتعالى وتتكثف.
بمعنى، هل سيكتفي العالم الديمقراطي بتوصيات ضبط النفس وخديعة نتائج الصناديق والسعي وفق مؤشر بوصلة مصالحه، بصرف النظر عن تحقيق الحريات والعدالة التي يرفعها كشعارات ويدعيها كسلوك.
وهو إن فعل، لن تكون بلاده بمنأى عن التبعات والإرهاب وشرر التطرف الذي يصنعه ويرعاه، حتى وإن بالصمت عن أسبابه ومسببيه، فما اقترفه الأسد الابن، لا يمنعه من الترشح لوراثة السلطة بنظام جمهوري فحسب، بل يوجب على كل ذي حق وعدالة، جره إلى المحاكم الدولية، للقصاص عن جرائم لن تبدأ بمقتل الحريري ولا السوريين، بل وصلت للإبادة بأسلحة محرمة دولياً، وأداة الجريمة موجودة لدى “المتآمرين” بعد صفقة أوباما بوتين الشهيرة إثر مجزرة الغوطة 2013…وجرائم القتل تحت التعذيب، وأيضاً دليل الجريمة يقبع وصوره بقبلة الديمقراطية بالعالم.
ولجهة المعارضة الغارقة بالتشرذم والنفعيات والتعبية، فالقصة الآن ليست مفاوضات أو أضواء ومداواة عقد الشهرة والمال، بل سبع عجاف مقبلة على سوريا وشعبها، إن حلت، والأرجح بالانطلاق من الأداء العار للمعارضة ولرعاة الديمقراطية العالمية، ستحل، فوقتذاك، لن تبقى سوريا الواحدة ولا شعب متجانس..بل ولا حتى قضية تضمن للمنتفين استمرار تحقيق المصالح والمكاسب الضيقة الدنيئة، فسوريا بحكم بشار وربما ابنه من بعده، بعد صفقة التطبيع المتوقعة مع إسرائيل، ستبقى دائرة نار، يتطاير شررها إلى أبعد من حدود المنطقة وما يحسب الجاهلون بصيرورة التاريخ وطاقات تحمّل الشعوب.

Recent posts