بدأت تظهر إشارات أولية حول نية القوات التركية بمنع قوات النظام السوري وروسيا من التقدم على منطقتي “جبل الزاوية” و”جبل شحشبو” ومدينة “أريحا” الواقعة جنوب الاوتوستراد الدولي حلب – اللاذقية المعروف بطريق الـ”M4″ بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين (الروسي والتركي) في الخامس من آذار مارس العام الحالي، وذلك بعد تكثيف التواجد العسكري التركي خلال الفترة الأخيرة في إدلب وريف حلب وتحديداً في منطقة جبل الزاوية وإنشاء نقاط عسكرية على خطوط التماس مع قوات النظام السوري بعد وصول تعزيزات عسكرية من جانب الأخير إلى المنطقة.
وستبقى الاستنتاجات والتحليلات العسكرية حول الأسباب المتعلقة بزيادة عدد النقاط التركية وتعزيزها في محيط إدلب وجبلي الزاوية وشحشبو وغربي حلب على وحول خطوط التماس، حيث ازدادت وتيرته بعد الاتفاق القاضي كذلك بإنشاء ممر آمن يقع شمالي وجنوبي طريق الـ”M4″ بعرض 6 كم مع تسيير دوريات مشتركة عليه انطلاقاً من قرية “الترنبة” شرق إدلب ووصولاً إلى قرية “عين حور” بالقرب من مدينة “جسر الشغور”.
وتدور تساؤلات مشروعة حول ذلك من قبل أهالي إدلب والنازحين منهم على وجه الخصوص، فيما إذا كانت هذه القوات والتعزيزات المدرعة والميكانيكية في محيط إدلب والنقاط التي تعزز كل يوم ما الغاية منها، تتحضر لخيارات هجومية تركية؟، أم هي تعزيز وزنار ناري على وحول نقاط الفصل لمنع قوات الأسد وميليشياته من التقدم واقتطاع أي جزء من المنطقة؟، أم أنها تأتي لزيادة قوة وفعالية القوات التركية في أي تغيرات وإجراءات عسكرية تقوم بها القوات التركية مثل سحب السلاح الثقيل أو محاصرة “هيئة تحرير الشام” وتقليل نفوذها استعداداً لأي تطورات سياسية مستقبلية.
يرى المحلل العسكري العقيد “فايز الأسمر” في تصريح لـ”زمان الوصل” أن “جميع التساؤلات التي تم طرحها واردة، ولكن الاحتمال الأول هو الأرجح وهو إنشاء خط عسكري تركي على محاور القتال وخصوصاً في منطقتي جبل الزاوية وجبل شحشبو لمنع أي هجوم عسكري على المناطق المتبقية جنوب الأوتوستراد، وذلك بعد الدفع بتعزيزات عسكرية ضخمة من قبل الجيش التركي في الآونة الأخيرة إلى الجبل وإنشاء ما يزيد عن 8 نقاط في أماكن استراتيجية (معر بليت وتل بدران والرويحة وجوزف ودير سنبل وقوقفين وبليون والبارة)، بالإضافةً لتعزيز جميع النقاط بالمدافع والدبابات والمعدات اللوجستية بشكلٍ متواصل على مدار الأشهر الأربعة الماضية”.
ولفت العقيد إلى أن “البعض يرى أن سحب النقاط التركية المحاصرة (شير مغار ومورك ومعرحطاط وقبتان الجبل وسراقب) نقطة ضعف لتركيا، ولكن على العكس تماماً أرى أن سحب النقاط هو شيء إيجابي للجانب التركي بعد نقض الروس اتفاق سوتشي ونسفه، مؤكدا أن النظام عندما يحاول شن عملية عسكرية جديدة على المنطقة الواقعة جنوب الأوتوستراد تستطيع القوات التركية الرد بشكل أقوى من السابق وتمنع التقدم، ويكون الموقف التركي أقوى ونقاطه غير مهددة بالخطر داخل مناطق النظام وتحت نيرانه”. وأوضح العقيد أن “تكثيف الانتشار العسكري للقوات التركية في جبل الزاوية مختلف تماماً عن انتشارها السابق في النقاط التي حوصر معظمها ضمن مناطق اتفاق سوتشي 2018، فجاهزية جميع النقاط الجديدة قتالية مزودة بمدافع ودبابات وراجمات وعناصر من قوات الكوماندوز، بالإضافة لإدخال منظومات دفاع جوي إلى قواعد عسكرية في إدلب إحدى تلك القواعد تقع جنوب الطريق”.
وأشار العقيد إلى أنه “خلال هذه الفترة وما بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في الخامس من آذار/ مارس العام الجاري استطاعت تركيا أن تقطع الطريق على روسيا في قضم مناطق جديدة، فلو تمكنت روسيا خلال حملتها العسكرية الأخيرة من السيطرة على جبلي الزاوية وشحشبو، لكانت تطلعاتها إلى مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” بعد السيطرة على مدينة إدلب وطريق باب الهوى الواصل مع تركيا”.
ويوضح “الأسمر” أنه “استناداً لما سبق نستبعد قيام القوات التركية بأي أعمال هجومية ضد قوات الأسد وميليشياته، أقلها في الوقت الحاضر خشية الاصطدام المباشر مع القوات الروسية، ناهيك عن الوضع الداخلي والسياسي والاقتصادي والمعارضة السياسية القوية في تركيا غير المستعدة لمثل هذا السيناريو، وخاصة أن تركيا تدخلت عسكرياً في ملفات خارجية مثل ليبيا وأذربيجان، إذاً نرى أنه من الأقرب وفق المعطيات السياسية والعسكرية حالياً أنه وجود تلك القوات التركية ونقاطها في منطقة إدلب ومحيطها وأقرب الغايات منه دفاعية لصد أي هجوم عسكري لقوات النظام ومنعه من تحقيق أهدافه في التقدم داخل المنطقة، لأن ذلك سيؤدي إلى موجة نزوح كبيرة باتجاه الحدود التركية لن تستطيع تركيا تحمل تبعيته، لا سيما أن الحملة العسكرية الأخيرة أدت لنزوح ما يقارب المليون وأربع مائة ألف نسمة إلى المخيمات والمناطق، الأمر الآخر أن أي تقدم لقوات النظام في منطقة إدلب هو تهديد لمناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” (عفرين) وإنذار للقوات التركية بقرب الخطر من حدودها”.
ويعتقد “الأسمر” أنه “خلال الفترة المنظورة من المعطيات السياسية لن يكون هناك أي عمليات عسكرية واسعة من كافة الأطراف في الوقت الحالي، وخاصة أن هناك متغيرات سياسية دولية مثل تولي جو بايدن الإدارة الأميركية الجديدة وانتظار دورها واستراتيجيتها في الملف السوري”.
وأكد مصدر عسكري مطلع لـ”زمان الوصل” أن عدد الجنود الأتراك الذين دخلوا المناطق المحررة جنوب إدلب وتحديداً منطقة جنوب طريق حلب – اللاذقية “M4” قد بلغ ما يزيد عن 5000 مقاتل، بالإضافة لما يزيد عن 50 دبابة، و35 مدفعا، و50 مدفع هاون، و15 راجمة، و3 منظومات دفاع جوي توزعت على ثلاث قواعد عسكرية.