السوريون، دودة حمراء بالطبخة الدولية*

صارت أجساد السوريين بالعالم كله “لبيسة”، فأي مصيبة أو ضائقة، ولو من عيار استنزاف الموارد وارتفاع نسبة البطالة، ترمى أسبابها، على اللاجئين السوريين، مع تغييب شبه كامل، لإنجازات السوريين وتغييرهم، حتى أنماط الاستهلاك بعديد من بلدان لجوئهم وحصدهم المراكز الأولى، علمياً واقتصادياُ، وحتى فنياً.
ولعل بشكايات الأشقاء الأشاوس، في لبنان والأردن، أمثلة حية ومستمرة منذ عام 2011 وبتركيا عذر ترفعه أحزاب المعارضة، قبل أي استحقاق أو بواقع أي خلاف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم.
فعدا “ألجم لسانك ألجمِ” وتهديد حتى من يعري عصابة الأسد بالترحيل، كما حدث مع “حسناء الحريري” أخيراً بالأردن، وحدث قبلها مع سوريين بالإمارات وآخرين بالمملكة السعودية، بدأت دول، بما فيها أوروبية، التسلّح بادعاءات الأسد، أن سوريا بخير، وباتت آمنة والمعيشة فيها رغيدة وبحبوحة، فرأينا الدنمارك تلوّح بترجيل السوريين لحضن الأسد، ليكون بصنيعتها الشائنة ربما، بداية وتشجيعاً لدول أخرى تؤثر، رغم طول الإقامة والاتفاقات الدولية، منح السوريين بطاقات إقامات وجوازات سفر، مؤقتة ومشروطة.
بيد أنه وللإنصاف، ثمة نقاط مضيئة ولا شك، بتعامل عديد من دول العالم مع السوريين، فمن تركيا التي احتضنت 3.6 مليون سوري، تعاملهم بغالب الأحايين، كما الأتراك على صعيدي الصحة والتعليم خاصة، ومصر التي فتحت للسوريين كل الأبواب والقطاعات، إلى ألمانيا وما قدمته من شروط إنسانية تنم على حضارة، ختمتها ولاية بريمن بمرسوم سيتم العمل به اعتبارا من غد الإثنين، يسمح للاجئين السوريين المقيمين في الولاية بأن يجلبوا أقرباء لهم من سوريا مثل الاب والأم أو الأولاد حتى عمر 27 سنة” شريطة تحمل تكاليف معيشتهم”.
بيد أن غالبية الدول، التي قصدها زهاء 6 مليون سوري، هرباً من الموت والاعتقال، رأت ولم تزل فيهم، ورقة ضغط أو تصفية حسابات سياسية واقتصادية، ولعل بالمخاوف التي تنامت لدى أكبر دولة مضيفة “تركيا” بعد أزمة كرسي، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وعدم إجلاسها إلى جانب الرئيس التركي، وتلويح كلا الطرفين بإعادة النظر باتفاقية اللجوء الموقعة بين أنقرة وبروكسل عام 2016، تعيد الشكوك بكل الادعاءات الإنسانية والأخلاقية التي رفعوها، وخاصة دوال القارة العجوز التي أخلّت ببنود اتفاق الهجرة وعاودت رفع أسوارها بوجه السوريين، لولا الورقة الألمانية التي سترت عريهم.
قصارى القول: أرجح الظن، وفق الواقع والوقائع، أن أزمة السوريين ستطول، إذ لا ملامح بالأفق تدلل على إسقاط الأسد أو نية العالم المتحضر بذلك، وإن زادوا من الحصار والعقوبات والفتوحات القولية، والتي، حقيقة الأمر، يدفع عقابيلها السوريون أكثر مما تضعف النظام الذي لا يعبأ، أياً بلغت نسبة الفقر والجوع، ووصلت حالات الانتحار وبيع الجسد على شوارع وأرصفة الحاجة.

الأمر الذي ينبئ بمؤشرين اثنين:

الأول، تراجع الآمال بسوريا الواحدة وبعودة المهاجرين لوطنهم الأم، بعد أن ذاقوا حلاوة المواطنة وحقوق الإنسان بأوطانهم الجديدة، فمن هم بسن التعلم وسهولة الاندماج، خسرتهم سوريتهم للأبد، وإن بقيت بعض الآمال على متوسطي وكبار السن، الذين لم تخرج، سوريا والذكريات وحنين العودة، من دواخلهم، رغم مغريات الأوطان الجديدة.
وأما المؤشر الثاني، والذي لابد أن يعيه العالم والدول المستضيفة أولاً، أن إبقاء السوريين على وضع القلق والتهديد، بل وتحميل المشاكل المجتمعية والاقتصادية للوافدين، سيزيد من قلة عطاء السوريين ويدفع بعضهم للجنوح والخطيئة، والعكس صحيح دونما شك، فالاستقرار ومنح الحقوق غير منقوصة ومشروطة، خاصة بالدول التي تفتقر للشباب وتهددها النسب العمرية المرتفعة، بأزمات تنموية، ربما يعدل السوريون فيها كفتي الميزان، فتكسب تلك الدول الطاقات وتستثمرها وينعكس ذلك على السوريين، بالاستقرار ويبعد عنهم تهمة “الدودة الحمراء ببرغل الأمن والتفقير والأمان”.
لكن نهاية القول بسؤال، إن كان العالم بأسره، تأكد عبر الوقائع والجرائم والتهجير القسري والمتعمد، أن علّة سوريا والسوريين، تكمن بنظام مستبد أو ربما برأسه الفارغ، فلماذا يقايض مصير شعب واستقرار دول الجوار وديموغرافيا البعيدين، برجل واحد ويتلكأ بإزاحته، إن لم نقل يساهم بعودة تعويمه وإنتاجه.

إذاً، وليس بذلك من الرومنسية بشيء، حل مشاكل الدول المستضيفة ومعاناة السوريين، تكمن وفقط بإزاحة النظام القمعي المستبد، ويخطئ من يظن، أن ثمن ديمومة الاحتراب بدول المنطقة والتفكير بتفتيتها، سيدقع ثمنه السكان فقط…فالنار حينما تستعر، لا ضامن لأبعاد تطاير شررها.

Recent posts