الوجود الأمريكي المعقد في سوريا*

بات محسوماً للجميع أن لا نية للإدارات الأمريكية المتلاحقة حتى الآن، بإزاحة الأسد من حكم سوريا، ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض نقف أمام سؤال ضروري: هل سينجح في جعل النظام السوري يتغير؟ في خضم التدخل الأمريكي العسكري في سوريا، فإن أعداد الجنود الأمريكيين المتواجدين على الأرض السورية، يعتبر الأقل مقارنة بأعداد القوات الإيرانية، والتركية وحتى أقل من عناصر ميليشيا حزب الله، ولكنه يتمركز في مناطق النفط، ويفرط سيطرته الكاملة على كامل إنتاج الآبار، مانعاً على النظام استخدام عائدات النفط السورية في حربه ضد الشعب السوري، ولضمان عدم وقوعه في يد داعش واستمرار محاربة التنظيم في ذات الوقت. وبالطبع تدخل روسيا دائماً على خط الصراع، محاولة الوقوف على الجهة المقابلة لأمريكا، في محاولة إثبات نفسها كوريث للقطب السوفيتي الند للولايات المتحدة في الحرب الباردة منذ منتصف القرن الماضي، فتلعب دور تعديل كفتي الميزان، في ضبط الضغط على النظام من قبل أعدائه- حلفاؤها في ذات الوقت- وتتأرجح تركيا بين الحليف الروسي صديق النظام، والذي ترتبط به بعلاقات اقتصادية وعسكرية جيدة، لا سيما شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي S-400، والذي لم يلق قبولًا من قبل حلف الناتو -الذي يضم تركيا- وحليفها الأمريكي عدو النظام، فهل هي صديق أو عدو كونها في المنتصف بين الروس والأمريكان؟ وهكذا تهيمن الولايات المتحدة على عدة مواقع لحقول النفط والغاز في سوريا، وتدعم قوات سوريا الديمقراطية، وتخلصت بمساعدتهم من داعش في منطقة الجزيرة، لتتمركز شرق الفرات. 

كل ما يتعلق بسوريا والعراق يكتسب أهمية متزايدة بالنسبة لأمريكا، فقط في مواقع النفط، ولا تُعنى الإدارة الأمريكية بشؤون الثورة، أو مطالب الشعب، أو مجازر النظام، رغم كل ما يمكن أن يصدح به الإعلام الأمريكي. 

والآن ونحن على مشارف نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب الذي توسمنا به خيراً، في مساعدة الشعب السوري بالخلاص من النظام، نستطيع أن نجزم أن فترته كانت فترة أقوال لا أفعال، وأنه لم يحرك ساكناً في سياسته ضد النظام، أما قانون قيصر والعقوبات فهي جزء من سياسة مؤسسة الرئاسة ولا ترتبط بشخص، ومع ذلك لا تكفي للإطاحة بالأسد وإنهاء الصراع في المدى المنظور. 
في شهر كانون الثاني /يناير من العام الجديد 2021 سيبدأ الرئيس الأمركي المنتخب أعماله، ونحن كالعادة منتظرون كيف ستكون إدارته للملف السوري… بدأنا نتلمس أطراف خيط مضيء من أمل، خاصةً بعد طرح مجلس النواب الأمريكي مشروع قرار جديد يرسم السياسة المقبلة لإدارة الرئيس المنتخب اتجاه سورية. 
وأول خطوة في مشروع هذا القانون هو عدم الاعتراف بنظام الأسد كحكومةٍ سورية شرعيّة، أو الاعتراف بحق بشّار الأسد في الترشح في أيّة انتخابات مستقبلية في سورية، وهذا جيد -إن أُقر القانون سريعاً ونُفذ أيضاً- إضافة إلى فرض عقوبات قصوى لم يشهدها النظام حتى الآن، ليس فقط على نظام الأسد، بل على المصارف التي تربطها علاقات مع الأسد في لبنان والأردن والإمارات والخليج والصين وأية دولة أجنبية أخرى تقدم أي مساعدة للنظام السوري. 
أما ما يهمنا في جوهر المشروع فهو أن يؤدي بالسياسة الأمريكية إلى الإطاحة بالأسد، ودعم السوريين في تحقيق هذا الأمل، بعيداً عن العقوبات والخطوط الحمراء والضربات الخلبية التي شبعنا منها في السنوات العشر الماضية. ولم ننس بالطبع أن جو بايدن شغل منصب نائب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي رسم خطوطاً حمراء لنظام الأسد، تجاوزها الأخير بكل بساطة باستخدام السلاح الكيماوي، دون أي رد فعل من قبل الإدارة الأمريكية. 
وتغيب تصريحات بايدن عن الإعلام الأمريكي حول نواياه فيما يخص سياسته في سورية، لكن من الواضح أنه يدرك أخطاء أوباما جيداً بتمييع التعاطي مع الحرب السورية، ويدرك ضرورة إصلاح نهج الولايات المتحدة تجاه سورية. 
وهذا تماماً ما ذكرته صحف أمريكية بأن إدارة بايدن تعد بالانخراط في قضية سورية دبلوماسياً، وستزيد الضغط على الأسد وتمنع الدعم الأمريكي لإعادة إعمار سورية حتى يوافق الأسد على وقف فظائعه وتقاسم السلطة. 
ويبقى الوقت عدو السوريين الأول، وصديق موتهم، فقانون قيصر استغرق خمس سنوات من التداول والدراسة حتى أقر أخيراً. ولا ندري كم نحتاج من وقت لنرى تأثيره الحقيقي على النظام. فلم نشاهد حتى الآن إلا المزيد من التردي الاقتصادي الذي يهدد السوريين بمجاعة حقيقية على الأبواب، ولم يتأثر النظام ولو ظاهرياً، ففي العراق مثلاً استمرت العقوبات الأمريكية لثلاثة عشر عاماً، بما عرف “النفط مقابل الغذاء” تردت خلال تلك السنوات أوضاع العراقيين، وسادت الفوضى والتفجيرات، واستمر القتال ولم يسقط صدام حسين، إلا حين قرر بوش الابن اقتلاعه، فاقتلعه بيد، وسلم البلاد لإيران باليد الأخرى، وهذا ما لا نريده بالتأكيد، فخروج إيران من بلادنا مطلباً موازياً لمطلبنا برحيل الأسد، واليوم سوريا في مرحلة العقوبات.
ثلاث فترات رئاسية أمريكية منذ بداية الثورة السورية، تقاسمها أوباما وترمب، كلاهما حاول أن يؤثر بالملف السوري، وكلاهما استخدمه كورقة انتخابية، الأول عقد صلحاً مع إيران، مطلقاً يدها في سوريا، سواء بقصد أم بغير قصد، والثاني ضرب الأسد ضربة ًأشبه بكف خفيف على يد ولد شقي، متباهياً بضربته، وسحب بعض قواته من البلاد محافظاً على تواجده في مناطق النفط فقط، وبقيت سوريا في مشهد سوريالي لبلد مقسم بين قوات غريبة، يرأسه سفاح. 
ويبقى السؤال قائماً: هل سيستطيع بايدن إخراج إيران والميليشيات المتعددة الجنسيات من سورية، والإطاحة بالأسد؟ وهل سيكون مشروع هذا القانون المطروح في الكونغرس نافذاَ قبل أن ينقرض السوريون؟ هو عامل الوقت إذاً … الوقت فقط، هو المقياس اليوم بتحديد الصديق من العدو.

Recent posts