برغل الرئيس..فخ السوريين… عدنان عبد الرزاق*

تبدّل تفكير السوريين على ضفة المعارضة، من “الهوشة” على جلد الضبع قبل اصطياده، ذاك المستنقع الذي وقعوا فيه خلال سنين الثورة الأولى، ما حولهم، جراء استسهال إسقاط الأسد، إلى أحزاب وشيع، إن لم نقس بالوصف ونقول، حول المتحاربين إلى كلاب والضبع إلى أسد، إلى نمط جديد اليوم، مفاده بمنتهى الاختصار، رصد سلوك الأسد والتعليق عليه، بسخرية واستهزاء حيناً، وببلعهم طعم الأفخاخ التي ترمى جراء الصور، بقية الأحايين. 
أي بلغة السياسة، رجال إطفاء ومتابعة، ينتظرون الفعل والحريق، لنرى ردة الفعل ومحاولات الإطفاء، وإن بفتوحات قولية، ملّها حتى المستقبل المحلي ولم تعد ذات صدى واهتمام، لدى أي طرف دولي.
ولنقارب المشهد للقارئ، فمن يتابع أداء المعارضة، على اختلافها، خلال الأسبوع الأخير، يراها انقسمت لفسطاطين، الأول غرق بصورة احتفالية عيد جلاء الفرنسيين بمنقطة المحتل الجديد “حميميم الروسية” والثاني بصورة توزيع بشار الأسد وزوجه، البرغل على السوريين.
ورغم وجع هاتين الصورتين وما يمكن البناء عليهما، سواء على صعيد الاستهتار بسوريا والسوريين، ماض وحاضرا ومستقبلا، أو على مستوى تجويع وإذلال الشعب وضمان جبنهم و”عدم خروجهم على الحاكم”.
بيد أن كلتا الصورتين ليستا أكثر من جزء من الحالة وليستا المشهد كله.
بمعنى، ثمة صورة ترسم بمداد الخيانة والتنازل ووعود بالرشى وحتى التقسيم، ربما تخرج إلى السوريين قريباً، ليعاودوا، كما عام 2014، الدوران بحلقة اللاشرعية للنظام القاتل لشعبه.
صورة رمت سفارة الأسد بالإمارات أولى ملامحها، عبر “يرجى من المواطنين السوريين البالغين الراشدين والراغبين بالانتخاب ممن أتموا سن الثامنة عشر من العمر أو تجاوزوه بتاريخ الانتخاب، تسجيل أسمائهم وأرقام جوازات سفرهم وهواتفهم”
وقد، أو على الأرجح، أن تمضي بقية سفارات الأسد وقنصلياته، بالطريق ذاته، وهذا ليس من باب التخمين والاستنتاج، لأن اجتماعات “فرق حزب البعث” بالداخل وإدارة التوجيه المعنوي ب”الجيش السوري” عمموا الاستعدادات وحشد الحملات لساعة الصفر، التي ربما تكون 25 نيسان/ابريل الجاري، بالاستناد إلى تعميم سفارة الأسد بأبو ظبي، الذي أعطى هذا التاريخ، كآخر موعد لملء البيانات وإرسالها على رابط محدد، أو في يونيو/حزيران المقبل، بحسب ما يتردد باجتماعات الفرق الحزبية داخل سوريا.
ولكن، بصرف النظر عن التيه بتاريخ إعلان “الاستحقاق الرئاسي” لأن الأهم بالأمر على ما نحسب، أن تجريم الأسد ومنعه من الترشح بات من الماضي على ما يبدو، اللهم، إلا إن تبدلت الذهنية وبدء العمل، لا السخرية، ولو على رأس الخيط الذي رمته منظمة “حظر الأسلحة الكيميائية” (OPCW) قبل أيام، جراء إدانة نظام الأسد بتنفيذ الهجوم بالأسلحة الكيمائية على سراقب، بريف إدلب في 4 من شباط 2018، ليكون بالتقرير وسواه من الأدلة الدامغة، تحرك مدروس لفتح ملف تجريم نظام الأسد وليس فقط، منع رئيس النظام من الترشح لولاية وراثية ثالثة.
نهاية القول: خطت “الجالية السورية بالولايات المتحدة” خطوات مهمة وتقدمت بتقارير وموقف مبدئي من “الأسد كوجود” وأدلى المعتقل السابق، “عمر الشغري” بشهادة إدانة دامغة أمام مجلس الشيوخ قبل أيام، وقبله فنّدت الطبيبة السورية، “أماني بلور” طرائق التعذيب وإجرام الأسد، الشهر الفائت أمام مجلس الأمن…وغير ذلك الكثير من القضايا والشهادات المهمة، تقدمت بها منظمات سورية ودولية. 
وقلنا مهمة، ليس كحكم قيمة بل لأنها مشغولة بما يناسب فكر وذهنية المتلقي الغربي، بعيداً عن النواح وأغيثونا يا عرب.
إذاً، المعارضة السورية مطالبة الآن، بالتحول من دور المفعول به وردود الفعل والاستمرار بدور الناشط، إلى دور الفاعل السياسي، لجمع وتبويب تلك الملفات والاشتغال عليها، قبل أن تنجح موسكو التي لم تجد من يشتري الأسد  بعد عرضه في بازارات العار، فتلتف مع الإمارات ودول أخرى، بإعادة تمرير انتخاب الأسد من منطلق “كما يريد الشعب السوري”.
خاصة، أن الفرصة الآن سانحة، سواء بواقع “النية” الأوروبية والأمريكية وإرسالهم “مسجات” تقارير جرائم الإبادة، وتحميل نظام الأسد المسؤولية، أو بما آل إليه حال السوريين بالداخل من تجويع وإذلال وتفقير، فاللحظة تلتقط كما لا يمكن الاستحمام بماء النهر مرتين.
لكن الاشتغال لا يتأتى عبر “موضة زووم” التي صمّغ ساسة المعارضة بها آذاننا، فلا يخلو يوم من محاضرات ولقاءات، جلها على مبدأ “شوفوني أو شرف الوثبة” بعيداً عن تفنيد عناوين تلك المناشط التي لا تخرج، وللأسف، عن ذهنية صور البرغل واحتفال “حميميم”، أو الغرق بالتوصيف وتكرار المكرر كأحسن الإيمان.

Recent posts