أعلنت الدانمارك نفسها كأول دولة في الاتحاد الأوروبي تسحب تصاريح الإقامة من اللاجئين السوريين، رغم مناشدة المنظمات الدولة لها.
ويرى ناشطون سوريون أن القرار الدانماركي يترتب عليه عواقب كثيرة، فهو يسبب تشتيتاً لعائلات وتدميراً لمستقبل البعض وخصوصا من هو في الدراسة أو الجامعة، وصولاً إلى احتمال فقدان الحياة.
حول هذا الموضوع التقت “زمان الوصل” مع “يوسف بكداش”، الناشط السوري الذي وصل الدانمارك في عام عام 2015، وهو عضو في منظمة “دوزنا” الدانماركية السورية، المعنية بدمج السوريين والدانماركيين وتعنى بمواضيع حقوق الإنسان والمساعدة في نقل الخبرات الدانماركية وتعزيز الديموقراطية.
لم يخفِ “بكداش” عتبه على “الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي” التي تكرر أن سبب القرار هو كون الكثير من السوريين يسافرون ويعودون إلى دمشق أو سوريا، مؤكدا أن “هذا خطأ كبير”.
فأوضح أن من نزلوا إلى سوريا أساسا لم يأتوا عن طريق اللجوء، بل جاؤوا عن طريق لمّ الشمل بمعنى أنهم لم يطلبوا لجوءا سياسيًا أو إنسانيًا، لافتا إلى أن الحالات التي فعلا نؤكد أنها نزلت إلى سوريا لا تتجاوز 8 حالات، “الإعلام الدانماركي أيضا يثير هذه القصة بشكل مستمر، ويستعملها كسلاح إعلاني ضدنا”، يقول “يوسف”، مضيفا أنه (الإعلام الدانماركي) يعتبر أن كل من نزل إلى “أربيل” أو لبنان أو تركيا قد دخلوا فعليا إلى سوريا، ونحن نعلم أن هذا الإعلام يتماهي مع مواقف حكومته اليمينية.
ولكن الغريب هو أن الفئات التي استهدفها القرار فعليا هي الفئات الضعيفة أصلاً (السيدات عموماً من كل الأعمار والذكور فوق 42 عاما وذوي الاحتياجات الخاصة والأمراض المزمنة).
وأكد أن القرار معد سلفًا، ولا علاقة له بموضوع السفر إلى سوريا.
ويشرح “بكداش” أن السلطات الدانماركية قررت فتح ملف اللاجئين القادمين من دمشق وريفها بزعم أن المنطقتين آمنتان، مشيرا إلى أن الحكومة الدانماركية تستند في هذا على تقرير من منظمة (مساعدة اللاجئين الدانماركية)، وهي منظمة تعمل في دمشق من قبل العام 2011 واستمرت إلى الآن في دمشق، والملاحظ في تقريرها الذي اعتمدته خدمات الهجرة الدانماركية، أن ممثلي المنظمة كانوا يتجولون فقط في المناطق التي يحددها النظام السوري وتحت حراسة يعينها النظام السوري لهم.!
ويرى “يوسف” أن “هذا يعني بكل بساطة أن التقارير صادرة بحسب رغبة النظام السوري وبنفس الوقت بحسب رغبة الأحزاب اليمينية الدانماركية”.
*أعداد السوريين ضحايا القرار
وبناء على هذا القرار بدأت الحكومة الدانماركية بسحب تصاريح بعض اللاجئين السوريين، تمهيدا لترحيلهم، ويوضح “بكداش” أن الدانمارك تقوم بسحب تصاريح الإقامة من السوريين، دون ترحيلهم وذلك بسبب عدم وجود تبادل حكومي بين النظام والدانمارك علنياً، إضافة لكون هذا مناقضا لاتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية.
ويكشف أن الحالات المؤكدة حتى الآن هو سحب 200 تصريح إقامة بشكل نهائي (غير قابل للاستئناف) وذلك لغاية 15 نيسان ابريل الجاري، و400 حالة سحب تصريح ما زال يمكنها الاستئناف.
وبحسب البيانات فمن المتوقع أن يصل العدد إلى 1000 شخص يتم سحب تصريحهم بشكل نهائي، أغلبهم من دمشق وريفها وهناك الآن 8 قضايا من الساحل السوري قامت الحكومة الدانماركية بالبدء في العمل عليها بحيث يشملها القرار، وبطبيعة الحال فالواضح أن القرار في طريقه ليشمل أغلب أو كل الأراضي السورية.
وبالنسبة لعدد الأشخاص من الفئات المستهدفة في القرار والتي يمكن أن يتم سحب تصريحهم بشكل شبه مؤكد حتى الآن هو 9000 شخص.
*مراكز الترحيل (مراكز الاعتقال)
من يتم سحب تصريح إقامته يتم تحويله إلى مركز الترحيل، وهنا يبدأ نوع جديد من المعاناة كما يقول “بكداش”، فهناك بالإضافة لكونك تفقد كل حقوقك كلاجئ من حق العمل والتعليم لك ولأطفالك، فأنت تخسر حتى حريتك أو حقك في اختيار نوع الطعام الذي يقدمه لك المركز من المطبخ الخاص به، وعليك التقيد بنظام الوجبات في السابعة صباحاً والثانية عشرة ظهرا والخامسة مساء، وفق الوجبات التي يتم اختيارها من قبل مركز الترحيل.
يضاف إلى ذلك، والكلام مازال لـ”بكداش” أن على المرحَّل التوقيع لإثبات الحضور بشكل يومي وحصراً في المساء، وفي حال مخالفته القوانين المذكورة يتم حينها تحويله إلى مراكز الترحيل المغلفة، والتي هي تحت حراسة الشرطة، والأسلاك الشائكة بمعنى أنها مراكز اعتقال بشكل شبه نظامي.
ويضيف “بكداش” أن الظروف اللا إنسانية في مراكز الترحيل تدفع الموجودين لطلب الترحيل و”العودة الطوعية”، حيث يُمنح من يتخذ قرار العودة مبلغ 22 ألف يورو ينال نصفه تقريباً قبل السفر على أن يدفع المتبقي بعد سنة من الوصول إلى سوريا.
واعتبر أن السيناريو السيئ الذي يعيشه اللاجئ الملغاة إقامته في مراكز الترحيل، سيكون أهون بكثير من سيناريو الرعب الذي ينتظره بعد العودة إلى سوريا الأسد.
وقال “بكداش” أن “المبلغ بحد ذاته هو وبال ونقمة على السوري، بكلا الحالتين يصبح غنيمة للحيتان الذين ينتظرون، فإذا كان معارضًا، فلن يكفيه رشى لفروع الأمن، وفي حال كان غير مطلوب للنظام فهو مطلوب للخطف!”.
ووصف الوضع في سوريا حالياً بأنه “مرتع للتشبيح والتعفيش” بالإضافة “للحالة الاقتصادية المزرية خصوصاً مناطق سيطرة النظام وتغول الميلشيات وبالتالي، فلن يفوت الخاطفون صيدا ثمينا كهذا”!
ويكشف “بكداش” قائلا “نحن على تواصل مع عائلة من الداخل لأحد الذين عادوا طوعًا في نهاية العام الماضي والذي خطف ويطالب الخاطفون الآن بالمطالبة بمبلغ 20 ألف يورو من عائلته بمقابل حياته، ونظرا للحالة الأمنية، فلن نستطيع التصريح بالاسم أو بالمكان الذي تمت فيه عملية الخطف، ولكننا نحاول والأمر معقد قليلاً، فالرجل مخطوف وهكذا لن يكون من السهل تسليم بقية المبلغ له بشكل شخصي”.
*نشاطات لمواجهة القرار
وأماط “يوسف” اللثام عن تشكيل لوبي “سوري -دانماركي” مشترك، بالإضافة للتعاون مع بعض الأحزاب اليسارية المؤيدة لحق اللاجئين، وبعض الجهات والمؤسسات الحقوقية السورية والدانماركية.
وقال “بدأنا القيام فعلياً بعدة نشاطات وتظاهرات ونحاول شرح وضعنا للداخل الدانماركي، حيث يرى بكداش أن الإعلام الدانماركي مغيب عن القضية، بل ومنحاز سلفاً للأحزاب اليمينية دون أن يحاول التحرّي ومعرفة تفاصيل الوضع والواقع في سوريا”.
وأردف “نحاول إيصال صوتنا للعالم والأمم المتحدة وأيضاً وسائل الإعلام خارج الدانمارك، فالقضية سابقة تحصل في أوروبا وعلى مستوى العالم، وفيها حياة أشخاص على المحك وخطر فقد الحياة أو الاعتقال”.
“يوسف” وهو رئيس “قسم المناصرة” في منظمة “دوزنا” الدانماركية السورية عزا سبب تضارب الأرقام حول عدد اللاجئين السوريين في الدانمارك في وسائل الإعلام إلى كون الأرقام تختلف ما بين من قدموا كلجوء، ثم من جاؤوا عن طريق لمّ الشمل أو المواليد، مؤكدا أن الرقم الإجمالي لجميع السوريين هو 40500.