تزامنا مع إعلان عزمها على محاسبة الأسد.. هولندا تصدر حكما غير مسبوق على سوري قاتل النظام

• هولندا تفضل تطبيق روح القانون على نصوصه الجامدة، وقضاؤها يسم نظام الأسد بالإرهاب
• اكتسب القرار القضائي قوة إضافية لتزامنه مع عزم أمستردام على محاسبة النظام

• في تصرف جد استثنائي.. النيابة العامة ضمت صوتها للدفاع مطالبة ببراءة “عبدالرزاق”
في خطوة تحمل أكثر من دلالة ومغزى، اختط القضاء الهولندي مؤخرا مسارا يمكن أن يكون بمثابة “مرشد” ودليل، لقضايا تواجه سوريين في بقاع مختلفة حول العالم، نتيجة مقاومتهم نظام الأسد، بحجة أن هذه المقاومة تمت تحت راية “تنظيم إرهابي”.
فقد برأ القضاء الهولندي سورياً يدعى “عبد الرزاق. ب” من تهمة الإرهاب، رغم انتسابه فعليا لفصيل تم إدراجه ضمن “المنظمات الإرهابية”، وهو “حركة أحرار الشام”، ما فتح الباب على مصراعيه أمام الأخذ بروح القوانين بدل التشبث بنصوصها الجامدة.
وفي التفاصيل، فإن المحكمة الهولندية استندت في تبرئة السوري “عبدالرزاق”، على مرافعة لمحاميه أثبت فيها أن موكله حمل السلاح ليدافع عن بيته وعائلته، وانتسب لـ”أحرار الشام” لهذا الهدف، دون أن يكون مقتنعا بعقيدة التنظيم.
واعتقل “عبد الرزاق” صيف العام الماضي في مركز لطالبي اللجوء بمقاطعة “فريزلاند”، بشبهة انتمائه لحركة أحرار الشام بين عامي 2013 و2016.
وكان من الثابت لدى القضاء أن “عبدالرزاق” خدم في حركة أحرار الشام، وحمل السلاح في صفوفها، وذلك في مسقط رأسه في مدينة “بنش” بريف إدلب، وعليه بدا موقف السوري اللاجئ إلى هولندا صعبا للغاية، فهو في النهاية عضو في “منظمة إرهابية” حسب تصنيف أمستردام.
ولكن مرافعة المحامي المكلف بالدفاع عن “عبدالرزاق” والنظرة العميقة لهيئة المحكمة، حملا قرار البراءة للرجل مما نسب إليه، على اعتبار أن ما قام به هو دفاع مشروع عن النفس والعائلة، وعلى اعتبار أن انتمائه لأحرار الشام كان بحكم الأمر الواقع، إذ إن الحركة كانت تسيطر على “بنش”.
وفسرت المحكمة تبرئة “عبدالرزاق” بالقول: “إن قيامه بحماية بيته وعائلته من الإرهاب، لا يمكن ولا يجب أن يسمى إرهابا”.
اللافت أن مرافعة المحامي عن “عبدالرزاق” وتفصيله لقضية انتماء هذا الرجل لأحرار الشام، وإنها لم تكن عن قناعة بعقيدة الحركة، بقدر ما كانت السبيل الوحيد لضمان أمن وسلامة “عبدالرزاق” وعائلته وبيته.. اللافت أن هذه المرافعة غيرت موقف النيابة العامة وقلبته كليا، فبعد أن كانت هذه النيابة تطالب بإدانة “عبدالرزاق” وحبسه، تحولت النيابة نفسها إلى مطالبة المحكمة بتبرئته، وهذا موقف استثنائي للغاية، إذ إن الدور المعروف للنيابة العامة يختص بحشد الأدلة والقرائن التي تثبت إدانة المتهم، وهو دور يعاكس تماما دور محامي الدفاع عادة، ولكن اتحاد النيابة العامة مع هيئة الدفاع يدل -إن حدث- على مدى متانة موقف الفرد الذي تجري محاكمته، وبراءته مما نسب إليه.
واللافت أكثر أن البراءة التي صدرت عن المحكمة، لايمكن أن تكون مصير أي هولندي يفكر بالانتماء لإحدى “التنظيمات الإرهابية” في سوريا، فهنا –حسب المحكمة- يصبح الهولندي مدانا بلا جدال، فهو في سوريا لا يدافع عن أرضه ولا عائلته، بخلاف ابن البلد (السوري) الذي يمكن فهم وتبرير انتمائه لأي تنظيم في سبيل الدفاع عن نفسه وأسرته، وهذا في النهاية لا يمكن أن يكون إرهابا، لأن من يحارب الإرهاب ليس إرهابيا، وفق منظور المحكمة.. وفي هذا إشارة جلية إلى أن المحكمة تعتبر نظام الأسد إرهابيا تشرع مقاومته بلا نقاش، حتى ولو كان ذلك عبر تنظيم مصنف “إرهابيا”.
وفيما يبدو قرار المحكمة الهولندية بمثابة “سابقة” يمكن أن تؤسس لفهم أوضاع السوريين ممن يحاول النظام وسمهم بالإرهاب لمجرد أن قاوموه، فإن القرار يحمل في طياته قوة إضافية مصدرها تزامنه مع الإعلان عن موقف متقدم للغاية لهولندا آثرت أن تخرجه في صورة بيان مشترك مع كندا.
فقد أكد وزير الخارجية الهولندي “ستيف بلوك”، ونظيره الكندي “مارك غارنو”،  التزام بلديهما بدعم الجهود الدولي لمحاسبة نظام الأسد.
وقال الوزيران، في بيان: “بعد 10 سنوات من الاحتجاجات في سوريا لا تزال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مستمرة حتى يومنا هذا.. في مواجهة هذه الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، ستتخذ كندا ومملكة هولندا خطوات إضافية معا لمحاسبة سوريا… سنحاسب نظام الأسد على انتهاكاته لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ونطالب بالعدالة لضحايا جرائم النظام المروعة”.

و أشار الوزيران إلى إمكانية اتخاذ إجراء قانوني مشترك لمحاسبة الأسد، يستند على اتفاقية مناهضة التعذيب، في مخرج من الطريق المسدود الذي منع رفع ملف انتهاكات الأسد إلى “الجنائية الدولية” بسبب معارضة روسيا والصين العنيدة والمستمرة.

Recent posts