ديار الإمبريالية… حسين الزعبي*

كان قد مر على بناء جدار برلين نحو ثلاثين عاما عندما افتتحت فيه بوابة براندبورغ، في مثل هذا اليوم/22 كانون الأول/ من العام 1989، لتعلن بذلك نهاية حقبة، كان الجدار يمثل فيها الرمز المادي للستار الحديدي الذي كان يفصل بين الكتلة الشرقية الدائرة في الفلك السوفييتي وبين الكتلة الأوروبية الغربية ومن خلفها الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب الباردة.
أحجار الجدار لم تعد موجودة سوى في بيوت هواة جمع “الذكريات”، وآثاره النفسية، أزعم أنها أزيلت تماماً، فلا من قدم من شرقه مواطن من فئة الدرجة ثانية، ولا من كان يقطن غربه مواطن درجة أولى، وباتت ألمانيا دولة واحدة، وربما كانت تلك اللحظات هي البداية الحقيقية لإزالة الحدود بين الدول الاوروبية المنضوية الآن ضمن الاتحاد الاوروبي، حيث لا يشعر المرء وهو يستقل القطار أو السيارة أنه انتقل من دولة لأخرى إلا عندما تبدأ لغة اللافتات بالتغير، أو من خلال إشارة الهاتف المحمول. الحديث، عن مفهوم الوحدة، عربياً، يثير الشفقة، وهنا لن نتحدث وفق طريقة “أمة عربية واحدة” التي كنا نرددها صباح كل يوم طيلة سنوات دراستنا، ولم نجن منها سوى كفر الكثير بمفهوم الأمة وبمعاني العروبة، التي لم تغن، في لحظة الحقيقة، عن ركوب البحر إلى ديار الإمبريالية شيئا.
الكفر ليس بسبب رداءة الفكرة، وقد يراها البعض كذلك، بل لأنها بقيت حبراً على ورق وتحت شعارها – إلى جانب المتاجرة بالقضية الفلسطينية- ارتكب أصحاب الكراسي كل الموبقات، وحتى عندما قرر بعضهم التخلي عن المتاجرة بالقضية، ذهبوا إلى أقصى النقيض، وبطريقة قد يكون الوصف الأنسب لها أنها “رخيصة”.. سوء التطبيق، أو امتناعه لسبب أو لآخر، لا يعني بالضرورة أن النظرية خطأ، وهنا لا أشير إلى أي أمل في من هم على كراسي الحكم، فأفضل ما يمكن أن يفعلوه هو أن يغادروا إلى غير رجعة، لكن على الأقل أن يكتفوا بما مزقوه حتى الآن، جغرافيا وسياسيا.. أما شعبيا فتقزمت – بفعلهم وفعل أسلافهم – الأحلام والانتماءات والهويات إلى ما دون الحارة، ولم يتركوا لبقايا هذه “الأمة” أي ثابت من ثوابتها، فلكل أمة ثوابت وهذا شأن أمم الأرض قاطبة.
يُنسب إلى الفيلسوف الألماني غوتة مقولة: “إن الذي لا يعرف أن يتعلم من دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة يبقى في العتمة”..   لا يُنتظر من أصحاب الفخامة والسيادة والسمو أن يغوصوا في أعماق التاريخ لاستخلاص نتائج أحداثه وعبره أوالاتعاظ بقصصه، إنما نظرة سريعة إلى السنوات القليلة الماضية، ففيها ما يكفي من الدروس والعبر ما يغني لمئة عام مقبلة، أما عن المستقبل فلا حاجة لهم للكثير من التفكير والاستشراف، فالعدو من كل الأطراف يكاد يصم آذانهم وهو يصرخ في وجوههم ليل نهار أن “أنا قادم”.. عاجلا أم آجلا..

Recent posts