ذاقت مرارة الاعتقال في عهد الأسدين .. رحيل الناشطة السورية رغدة حسن في منفاها القسري

توفيت في العاصمة الفرنسية باريس أمس الأربعاء الناشطة والمعتقلة السابقة “رغدة حسن” بعد صراع طويل مع المرض جراء فترات اعتقالها أيام الأسد الأب والابن.
وكانت قد أعلنت منذ أيام على صفحتها في “فيسبوك” أنها غادرت مستشفى الأورام بعد أن تم استئصال أورامها بنجاح، مطالبة الجميع بالدعاء لها، غير أن القدر عاجلها لتطوي رحلة طويلة من النضال من أجل الحرية والكرامة دفعت ثمنها سنوات من عمرها خلف القضبان.
وتنحدر الناشطة “رغدة حسن” من مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية السورية، من عائلة تهتم بالثقافة والعلم، دخلت عالم المعارضة السياسية منذ الثمانينات واعتقلت في التسعينيات لمدة سنتين ونصف 1992-1995 ضمن حملة شنها نظام “حافظ الأسد” على أحزاب المعارضة آنذاك حين كان نشاطها في ذلك الحين مع حزب “العمل الشيوعي” المحظور، وفي فترة اعتقالها الأول ومن الزنزانة الانفرادية تعرفت على شاب فلسطيني محكوم بالسجن ثلاث سنوات لأسباب سياسية يُدعى “عامر داوود” وقاما معا بإنشاء ثقب في الجدار الفاصل بين الزنزانتين، ليحدث بينهما قصة حب ويتفقان على الزواج بعد السجن، وهذا ما كان، ودفعت هذه القصة المؤثرة المخرج البريطاني “شون مكاليستر” إلى تجسيدها في فيلم وثائقي قام بإخراجه وانتاجه بعنوان “Syrian love story- قصة حب سورية”، وحينما اعتقل “مكاليستر” عام 2011 صادرت مخابرات الأسد أجهزته، التي احتوت تسجيلات رغدة وزوجها وهما ينتقدان النظام وينظمان تظاهرات، لكن حينما سألته الشرطة عن مكانهما ضللها، لكي يكون أمام الزوجين وقت للهروب إلى لبنان. وفاز فيلم المخرج البريطاني بجائزة مهرجان “شيفيلد” للأفلام الوثائقية، في يونيو/حزيران 2015.
وفي المرة الثانية اعتقلت الراحلة رغدة بتاريخ 10/2/2010 على الجانب السوري من معبر “العريضة” الحدودي مع لبنان أثناء سفرها إلى لبنان بسبب روايتها “الأنبياء الجدد” التي تسرد فيها تجربة مؤلمة في أقبية الاستبداد وتتحدث فيها عن أوضاع المعتقلات في سوريا واحتجزت بمعزل عن العالم الخارجي في الأيام العشرة الأولى من اعتقالها في فرع الأمن السياسي في طرطوس تعرضت، كما تروي لمنظمة العفو الدولية للصفع على وجهها بأيدي أحد كبار الضباط، ما أدى إلى سقوطها على الأرض والدم بنزف من أنفها وفمها.
وأضافت الناشطة الراحلة -حسب المصدر- أن الضابط ذاته قام بترهيبها بأن هددها بالضرب بالكرسي.
ورأت “رغدة” أسرتها أول مرة في 10 نيسان أبريل بعد أن اقتيدت إلى المدعي العام العسكري في حمص ووجهت إليها تهمتا “إضعاف الشعور القومي ونقل أنباء كاذبة من شأنها أن توهن من نفسية الأمة” وهاتان التهمتان غالباً ما تُستخدمان ضد منتقدي الحكومة السلميين.
ولفتت منظمة العفو الدولية في تقرير لها أنها اطلعت على وثائق رسمية للمدعي العسكري تظهر أن التهم تتعلق بدراسة مسحية ُزُعم أن “رغدة حسن” قد أجرتها حول قضايا الإنسان والفساد والديموقراطية في سوريا، وتم نقل الناشطة الراحلة بعدها إلى سجن “دوما” للنساء بالقرب من دمشق وأصيبت بحصى في الكليتين وواجهت صعوبات كثيرة في الحصول على الدواء في وقت منتظم من قبل سلطات السجن ولم يتم إدخالها المستشفى من أجل إجراء فحص طبي متخصص، وإلى جانب “رغدة” غيب الأمن السوري ثلاثة أشقاء لها وروت في إحدى حواراتها أن أمها التي كانت الوحيدة التي تزورها مع أشقائها قالت في إحدى المرات لرجال الأمن: “لماذا لا تسجنونني مع أولادي، لم يبق لي أحد في المنزل”، ومن سجن “دوما” للنساء بالقرب من دمشق العاصمة إلى سجن دمشق المركزي، إلى سجن المزة في أطراف دمشق كانت الوالدة تتنقل لزيارة أولادها كل شهر.
وفي الزيارة الأولى لها في السجن، تتذكر “رغدة” حديث أمها حين قالت: “الآن زرت الولد الثاني لي، ولا أعرف إذا كنت سأبقى على قيد الحياة حتى أتمكن من زيارة الولد الثالث”.

حين بدأت الثورة في 18 آذار مارس/2011 كانت “رغدة حسن” ماتزال في المعتقل مع بقية معتقلي الرأي الذين قامت المظاهرات الأولى لأجلهم في آذار مارس/2011 وأخلي سبيلها في حزيران يونيو من العام ذاته لتهرب مع زوجها إلى بيروت ومنها إلى فرنسا، حيث عاشت إلى أواخر حياتها وشاركت في الكثير من النشاطات الثورية والمظاهرات السلمية المنددة بجرائم النظام التي كانت هي إحدى ضحاياها.

Recent posts