رحيل الشيخ محمد عبد الحميد العلاف في حلب

توفي أمس في حلب الشيخ المعمر “محمد عبد الحميد العلاف” عن 105 سنوات قضاها في العلم والفقه والتعبد والتدريس الديني بين المملكة العربية السعودية وسوريا.
ونعى “المجلس الشرعي في محافظة حلب” العلامة الموسوعي العلاف “آخر الراحلين ممن هم من طبقته العمرية من العلماء وهو من أقران العلامة “عبد الفتاح أبو غدة” والشيخ “عبد الله العلوان” ودرس مع العلامة “محمد علي الصابوني” في الأزهر وكان آخر طلاب الشيخين “محمد راغب الطباخ” و”سعيد الإدلبي”، وفق تلاميذه.
وروى الدكتور “عبد الرحمن العلاف” لـ”زمان الوصل” أن عمه الشيخ “محمد بن عبد الحميد بن سعيد العلاف” المولود عام 1916 نشأ في أحلك ظروف مرت على الأمة الإسلامية، من انهيار الدولة العثمانية، واحتلال الغرب للدول العربية والإسلامية، وكان والده “عبد الحميد العلاف” من القبضايات المعروفين في زمنه وحارب فرنسا وكان يهرب السلاح للثوار.
وأضاف أن “العلاف” سجنه الفرنسيون عدة مرات بعد أن أحرق لهم قافلة كاملة، كما كانت والدته “ديبة العلاف” مناضلة ضد الفرنسيين.
وأردف المصدر أن الشيخ “العلاف” درس في “المدرسة الخسروية” بحلب، وامتهن منذ كان في السادسة من عمره مهنة الحلاقة إلى أن برع فيها، وفتح عملًا خاصاً به، وكان يعمل عنده الشيخ “محمد الحجار الحلبي” نزيل المدينة المنورة، وكان كلاهما لا يزالان دون الخامسة عشرة من عمرهما.
وتابع المصدر أن الشيخ “العلاف” كان ملازماً للشيخ “محمد أبو النصر خلف” -عالم ومتصوف حمص المعروف- ويخرج معه في بعض أسفاره إلى القرى والأرياف لأجل الدعوة إلى الله، وتعليم الناس وإرشادهم.
وسافر الشيخ “العلاف” مع شيخه أبي النصر في إحدى المرات إلى بلدة “السفيرة” مشيًا على أقدامهما.
عندما شب الشيخ “العلاف” ذهب إلى مصر ليدرس أصول الدين في الأزهر الشريف وكان من أساتذته هناك-بحسب محدثنا- كبار علماء مصر حينذاك ومنهم وكيل كلية أصول الدين “عبد العزيز خطاب” والدكتور “عبد الحليم محمود” و”محمد شاكر” والشيخ “محمد الطيب النجار”، وهناك صورة تجمعه مع زملائه من طلبة الشهادة العالية وأساتذتهم أمام كلية أصول الدين عام 1952 وتخرج بمرتبة العالمية إلى جانب الشيخ “محمد علي الصابوني” والدكتور “ابرهيم السلقيني” والكثير من علماء حلب وسوريا، وأثناء إقامته في مصر كان للراحل نشاطات علمية عديدة، ومنها كتابته في مجلة (الرسالة) واجتماعه بكبار رجال العلم والأدب، ومنها إشرافه على الطلبة السوريين في الأزهر، وغير ذلك.
وقدم الشيخ هناك عدة أبحاث علمية رصينة استحق بها درجة العالِمية في الشريعة وفي القانون، ومن أبحاثه بحث في ثمانين صفحة حول حرف الواو في اللغة، وتابع “العلاف” أن عمه الراحل ذهب في منتصف السبعينات إلى المملكة العربية السعودية ليدرس في المدينة المنورة علوم الفقه والحديث لأكثر من 30 عاماً.
وأصيب الشيخ “العلاف” في تسعينيات القرن العشرين بحادث أقعده في بيته، فشرع الشيخ في كتابة مذكراته التي اشتملت على تاريخ كبير للفترة التي عاشها الشيخ، وعلى وثائق هامة وعظيمة وشهادات قويمة لكثير مما جرى في القرن الماضي.
وروى أن الشيخ العلاف كان في حلب قبل الثورة السورية وتحدث في إحدى خطبه عن سقوط “حسني مبارك” مما جعل أعين الأمن تراقبه فاضطر للعودة إلى المملكة العربية السعودية.
مع تقدمه في السن وعدم تمكنه من تجديد إقامته في السعودية عاد الشيخ محمد العلاف إلى حلب العام الماضي 2020 وتوفي في مشفى “التآلف” ليدفن في مقبرة الأسرة بمنطقة “الشيخ جاكير” بحلب.
وختم محدثنا أن عمه الراحل ظل حتى آخر أيام حياته أي إلى عمر 105 سنوات وهو يدرّس ولم يقعده عن التدريس إلا مرض الشيخوخة وظل محافظاً على كامل صحته العقلية والجسدية حتى آخر أيامه.

وكشف المصدر أن الشيخ الراحل لم يكن يحب السلطة أو يهادنها حتى أنه رفض منصب الإفتاء بسبب هذا الموقف وتوفي ابن له تحت التعذيب في أحد الفروع الأمنية بدمشق.

Recent posts