جلّ ما يجري في سوريا، إن لم نقل جميعه، يمكن إدراجه في “يجوز الوجهان”.
فإن انسحبت اللجنة الدستورية، تحت تأثير الضغط الشعبي، خاصة بعد ورقة هيئة التفاوض الغارقة في “سوتشي” والبعيدة بالمطلق، عن القرار 2245، فربما تفقد المعارضة تمثيلها السياسي، أمام المجتمع الدولي على الأقل، ويكسب النظام والضامن الروسي، الفراغ، ويدفعون إلى ما لا يحمد عقباه.
وقد، بالوجه الآخر، تكسب المعارضة التي تبتعد تدريجياً إلى حد الطلاق البائن، عن مطالب ثورة السوريين، بعد التوريط وضغوط الداعمين والممولين وعدم تخصص جل الممثلين، فيكون النظام ومن ينوب عنه، أمام الفراغ، ما يُلزم المجتمع الدولي تحت ضغط ضرورة حلحلة الأزمة السورية، لإعادة التصويب والضبط والمطالبة بتطبيق القرار الدولي، من دون مطبات السلال وذرائع المطلبية والتشتيت الذي يرونه مع كل جولة لتلك اللجنة الفخ.
وإن انحل الائتلاف أو حل نفسه أو استقالت هيئته الرئاسية، سيكون السوريون أيضاً بلا تمثيل معترف به دولياً، وقد تنشأ أجساد وتكتلات، بحكم الجوع للضوء والكرسي والمال، فيزيد ذلك من التشرذم وتكريس نظرة المعارضات لا المعارضة والتطرف لا الوطنية لدى العالم، والتي يشتغل عليها النظام وحلفاؤه منذ تسع سنوات.
بالمقابل، ربما يكون بقلب الطاولة وحل الائتلاف، صفعة للضامنين والمحتلين ومن يهمهم إسكات الحرب بسوريا، ليعيدوا لهذه المؤسسة دورها واعتبارها، من دون إملاء وتدخل، أو يرى بعض العارفين، أن تحويلها إلى “برلمان” يسهل ويقونن ويوسع عملها ويعطيه مصداقية وربما شرعية أكبر..
ومن باب يجوز الوجهان أيضاً، لابد من كتابة دستور جديد لسوريا والسوريين، ينظم العلاقة فيما بينهم وبين مؤسساتهم والعكس، ليلغي ما كرسه دستورا”1973 و2012″، لينطلق الجميع وفق عقد اجتماعي جديد، يؤسس لانطلاقة صحيحة لبناء دولة وليس مزرعة ترى السوريين رعايا أو عمالة لدى القائد المطلق.
بيد أن الوجه الآخر بأمر الدستور، هل مشكلة سوريا بدستورها، وهل انتفض السوريون ليصوبوا مادة بالدستور أو يعدلوا فصلاً ويبثوا روحاً جديدة كما بدساتير الدول المتقدمة، وربما الأهم، أي أثر لدستور بدولة استبدادية ترى بكلام “القائد” دستورها…ألم يعلم نظام الأسد السوريين ومنذ الأب، أن ما يقوله القائد هو القانون.
وبيجوز الوجهان أيضاً، ترى، أليس الاتجاه للعسكرة، وإن بطريقة العصابات، ومحاولة زعزعة مناطق سيطرة الأسد، هو الحل الوحيد المتاح للسوريين، والذي يدفعهم إليه العالم بأسره، بعد تغيير المسارات وتبديل شكل الصراع والتساهل مع جرائم نظام، وصلت للقتل بالأسلحة الكيماوية والتهجير والتغيير الديموغرافي.
أم ترى، العودة للقتال مبرر جديد، للنظام والعالم الخائف من نجاح ثورة السوريين وإحلال الحرية والديمقراطية بالشرق الأوسط، ليعودوا لطرق الإبادة بحجة قمع تمرد شعبي على حكومة شرعية لم تزل الأمم المتحدة معترفة بها وتدعمها.
قصارى القول: ربما جميع ما يراه السوريون ويعانون جراءه، يجوز فيها الوجهان، وربما هذا السبب الأهم، لتفشي السفسطة وابتلائنا بحكائين، تركوا من الفتوحات القولية أطنان ما تحتاجه الحالة السورية من تنظير ومنطلقات ضرورية، يتمثل أهمها ربما، بشكل سوريا المستقبل بعد نظام الاستبداد، لتكون دولة لكل مكوناتها، ومن ثم يتم الاشتغال على كل طرائق الملهاة التي ترمى اليوم لتبديد الزمن الذي يقاس بالدمار والقتل وتهجير السوريين واتساع الفجوات لحدود اللاحل أو التقسيم.
وهذا الشكل -مشروع الحكم ما بعد الأسد- المبني على المصالح والمنطلق من السياسية لا الاستعطاف والعويل، المسبوك بشكل قانوني واضح وعلى الصعد جميعها، التي تضمن التعايش والتساوي بمنح الحقوق، هو الوحيد ربما، الذي لم تقدمه المعارضة حتى اليوم، ليكون مرتكزاً ومنطلقاً، سواء للدول الفاعلة لتقدم على انتزاع ركن زرعته “بريطانيا” بالمنطقة، أو للسوريين على اختلافهم، ليطمئنوا للمرحلة المقبلة.
وهنا، وإن بذلك خروج عن النص قليلاً، هذا المشروع هو فرصة السوريين اليوم بواقع إدارة امريكية جديدة، ربما ينهج خلالها “جوزيف بايدن” طرائق مختلفة عن “المصالح من استدامة الصراع” ليكسب السوريون فرصة سانحة بإبعاد الأسد عن انتخابات العام المقبل.
نهاية القول: كل ما في سورية يمكن النظر إليه من جانبين، بما في ذلك سقوط بشار الأسد المفاجئ، الذي قد يفضي لتقسيم جراء حروب داخلية وطائفية لا تنتهي.
كما قد يتولد عن ذلك السقوط أو القتل غير المتوقع، منطلق حل وبداية تأسيس ملامح دولة.
بل وحتى ما نراه من تجويع السوريين وإذلالهم بالداخل، إلى حد بيع ما يباع لمرة واحدة، من كرامة وشرف، له أيضاً وجهان.
فالوجه الأول الذي قد يراه البعض “قصاصاً” سواء لفترة السكوت لعقود على حكم آل الأسد، أو للصمت خلال تجويع السوريين بمناطق المعارضة، أو حتى الطريقة الوحيدة المتاحة أمام عصابة دمشق للإمساك بزمام الأمور وإشغال السوريين بلقمة عيشهم…له وجه مقابل، بل بات أوضح الوجوه وأكثر الآمال التي يمكن التعويل عليها اليوم.
فهذا الوجه الذي يستهتر بآثاره لقريبة الجميع، هو على الأرجح، ما سيأتي بالخلاص للسوريين، إن ليس عبر ثورة ومواجهة غير محسوبة بين الجوعى ونظام الأسد، فعلى الأقل، طرده عبر الصناديق إن استمر العالم المتحضر بالملهاة ومحاولات تدوير نظام ساقط.
أما الاشتغال على هذا الرهان، الغائب للأسف إلا من طرائق إجهاضه عبر ما نرى من تخل وتشف، فهو الباب الأكبر والطريق الأقصر لخلاص الجميع والبدء بطريق الدولة والآدمية…وأظنه آت وبملامح سورية خالصة.