انتهت الانتخابات البرلمانية الهولندية، التي تمهد لتشكيل الحكومة بناء على عدد المقاعد التي تكسبها الأحزاب في البرلمان، حيث تخوض الأحزاب الانتخابات من خلال حملة انتخابية تبدأ قبل فترة من الموعد، تقدم خلالها الأحزاب بياناتها الانتخابية ووعودها الانتخابية لفترة الأربع سنوات القادمة.
تميزت انتخابات هذا العام ضمن ظروف “كورونا” المسيطرة، بشيء آخر يعنينا كسوريين وهو الدور السوري وتفاعل السوريين مع تلك الانتخابات والحملات الانتخابية بعد أن حصل العديد منهم على الجنسية الهولندية ليمتلك حق الانتخاب.
كان واضحاً لكل متابع للشأن السوري في هولندا بمن فيهم الهولنديون، أن السوريين تفاعلوا مع الأمر بشكل استثنائي، السوريين المحرومين من التصويت في بلدهم، لم يجرب السوري الانتخاب طوال حياته في زمن كان يعيش الاستفتاءات ذات الـ9و99 بالمية من الأصوات لصالح الديكتاتور في بلاده.
لاحظت أيضاً وسائل الإعلام الهولندية التفاعل السوري الذي كان متميزا حتى عن تفاعل جاليات تقيم في هولندا منذ عشرات السنين كالجالية التركية والمغربية، ولذلك أفردت العديد من جرائدها الكبيرة والمحلية صفحات للقاءات مع سوريين وسؤالهم عن سبب رغبتهم بالانتخاب ونوع الأحزاب التي يريدون التصويت لها.
*دوافع اهتمام السوريين بالانتخابات
يضاف لاهتمام السوريين المتيز بالانتخابات الهولندية، صعود أحزاب اليمين المتطرف المناهضة للاجئين وبالتالي كانت الرغبة في دعم الأحزاب ذات التوجه اليساري، وتلك التي لا تملك أجندات عنصرية، وكذلك وجود اسم مرشح سوري في قائمة إحدى الأحزاب الكبرى المرشحة لحصد مقاعد تخولها لتشكيل حكومة مع حزب رئيس الوزراء الحالي الذي كان متوقعاً فوزه بطبيعة الحال، فكان المرشح “سومر شعبان” عن الحزب الديموقراطي الذي يمثل تقريبا جناح الوسط في السياسة الهولندية.
في حوار قبل الانتخابات مع “شعبان” حول الموضوع أكد سعادته كونه المرشح الأول من أصل سوري، ولم يولد في هولندا يترشح ضمن قائمة حزب رئيسي في هولندا.
وأضاف أن هذا أمر يعني الكثير بالنسبة لي وأرغب فعلا في أن أكون ممثلا للهولنديين والسوريين لأجل مستقبل أولادنا أيضا.
“سومر” لم يكن متفاجئاً من إقبال السوريين على الانتخابات، فبجسب رأيه السوريين شعب واعٍ ومثقف سياسياً بطبيعة الحال، إضافة لكون السوريين يملكون شغفاً بالسياسة، وأنه واثق كما قال “بأننا سوف نرى العديد من الوجوه السورية في مختلف الأحزاب مستقبلاً”.
برز في تلك الانتخابات أيضا دور السوشيال ميديا والمجموعات التي شكلها السوريون على “فيسبوك”، حيث كانت تدور أغلب النقاشات حول الانتخابات وتبادل الآراء ولا يخلو الأمر من بعض (الخلافات والمشاكل)، فنحن بطبيعة الحال مازلنا جديدين على الممارسة الديموقراطية، كما يقول “لؤي- 28” عاماُ الذي انتخب “اليسار الأخضر” وهو حزب يطالب دائما بالدفاع عن البيئة إضافة لموقفه الإيجابي من قضية اللاجئين.
ويعبر “لؤي” عن سعادته حين قام بالانتخاب قائلا: “هي مجرد لحظات ريثما وضعت نقطة حمراء مكان الحزب الذي انتخبته، في تلك اللحظات لأول مرة شعرت بنفسي أمارس شيئاً يسمى ديموقراطية”.
ويتذكر بأسى الواقع السوري المرير “كان واقعنا مأساويا مضحكاً، حيث كنا نخرج في الاستفتاءات نهتف بحياة الرئيس ونقيم حلقات الدبكة والزينة بينما أرجلنا ترجف خوفاً من المخابرات التي تحركنا كالدمى”، مضيفا “الانتخابات في سوريا هي انتهاك لحياة الإنسان وقيمته بحد ذاتها، تشبه بقية الانتهاكات العسكرية والأمنية التي تطالنا كسوريين منذ خلقنا”.
*مشاركة أغلبية السوريين
وبرزت بعض الوجوه السورية النشيطة خلال تلك الانتخابات مثل “غريب علي” وعدد من الناشطين الذين تفاعلوا مع السوريين من خلال مجموعات “فيسبوك” حول الأحزاب عموماً وطريقة الانتخاب.
“غريب علي” مغترب في هولندا منذ ما يقارب 30 عاماً، يقول “لم أشهد حتى الآن مثل هذا التفاعل أو الإثارة في الانتخابات البرلمانية، بالرغم من وجود جاليات كبيرة هنا من المهاجرين العرب والأتراك”.
وبحسب ما شاهده يؤكد أن نسبة الذين قاموا بالتصويت من السوريين تتعدى الثمانين في المائة، ويقول “كان يتصل بي البعض على الماسنجر ليسألوا تفاصيل إضافية حول طريقة الانتخاب، بل وحتى رأيهم في من ينتخبون، مع أننا قدمنا كل المعلومات طوال فترة الانتخابات من خلال البث الحي على فيسبوك ومجموعات الجالية السورية”.
واستهجن “غريب” الفارقة في أن يقطع الإنسان آلاف الكيلومترات تهجيراً من بلده حتى يستطيع ممارسه حقه في اختيار النظام الحاكم.
ويختم “علي” بحسرة حين سؤاله عن ما تسمى الانتخابات التي سوف يجريها النظام قائلا: “هل يعرف هؤلاء (المنتخبون) فقط ماذا تعني عبارة حرية الاختيار؟
وبلغت نسبة السوريين الذين يحق لهم التصويت حوالي 20% من السوريين في هولندا، وهم الذين حصلوا على الجنسية الهولندية، وتقدر نسبة الجالية السورية في هولندا من اللاجئين بحوالي 80 ألف نسمة.