فعلاً.. لماذا حاتم علي؟*

ترى، لماذا لاقى موت الفنان السوري حاتم علي، مالم يلاقه -ربما- أي سوري، على الأقل، بعد الثورة، رغم أن سوريا فقدت قامات وأعلاماً وعلى الصعد كافة. 

سواء للإجماع بنعي “علي” والحزن عليه، حتى ممن لم يعرفه أو ربما لم ير أعماله. أو لما أثاره موت الرجل، من نبش أسئلة وتوحيد السوريين وإعادة دمشق، وإن عبر جنازة، إلى وعي ووجدان المغتربين والمهجرين. 
هل لأننا جوعى نتشهّى شخصاً نتفق حوله وعليه، بعد سلسلة الانقسامات والتشرذم، أم لأن حاتم علي فلتة زمانه فعاش وعمل بلا عداوات وأخطاء؟! أغلب الظن أن الاحتمال الثاني ساقط من دون طول جدل، فحاتم علي لم يكن الممثل أو الكاتب اللامع وإن امتاز بمسحة إنسانية وهم كبير خلال قصصه وأشعاره وروايته وحتى أدائه التمثيلي، كما بالإخراج، حيث لمع وتألق، لم يبلغ، وقد كان سيبلغ، العالمية، كما أخطأ وسيخطئ، كونه إنسانا بالعام ولأنه مجرّب ومجدد على وجه الخصوص، بل والرجل-رحمه الله- اعترف وكان يعترف، بعد كل عمل، بأخطاء كثيرة وأنه غير راض والمشاهد يستأهل أكثر وأنه يسعى للحقيقة والوعي والجمال، وتصويب دور ومفهوم الفن، التي لما يصلهما كما ينشد، بعد كل عمل. 
وأما الاحتمال الأول وهو الأرجح، رغم مقتنا تقديس الأشخاص وتأليه البشر، كان وراء لوعة السوريين على “شخص” آلف بين الجميع باستثناء القتلة وتجار الحقد والدم، وربما بموقف نقابة الفنانين لعدم نعي الراحل وإحجام عصابة الأسد بكل أركانها، عن حضور التشييع والمشاركة، ومن ثم محاولات تشويه مسيرة ومواقف حاتم من موتورين. 
كل ذلك، زاد من إجماع السوريين وجعل من المخرج الراحل، مئذنة سبحة لملمت حبات عقد السوريين المتطايرة عبر أصقاع المعمورة، وصفعتهم بحقائق كثيرة، آثر صناع الموت، تغييبها عبر تسع سنوات. 
بيد أن ثمة أسبابا ذاتية، وهي قصارى القول، ساهمت، أو كان لها السبب الأهم، بتحول حاتم علي إلى “كلمة سواء” بين السوريين. 
قد يكون بمقدمتها، نجاح وتألق هذا الشاب الذي دخل حقل الفن من دون ظهر وتوصية وسند، وهو -السبب- لمن يعرف سورية وتبوأ مراكز متقدمة فيها، يعرف أي موهبة وتصميم ومثابرة كان يمتلكهم “علي” حتى وصل للذي وصل، وهو النازح من الجولان المحتل إلى مخيم البؤس، إن بالحجر الأسود أو باليرموك. 
وهنا، يدخل ضمن هذا السبب، حجم اشتغال حاتم علي نفسه، وعلى الصعد كافة والثقافة وتطوير الأدوات أولها، حتى بلغ من القدرة على اقناع المخرجين بداية ليمثل وشركات الإنتاج ومافيات الدراما لاحقاً ليخرج، قبل أن يتهافتوا عليه ويصبح اسمه، جواز سفر العمل الدرامي لغرف نوم المشاهدين وربما ميزة كافية للتسويق والنجاح. 
كما من الصفات الذاتية المشهودة بالراحل، هي قلة الكلام والتصادم مشفوعة بكثرة العمل ومد اليد، وهي متناقضة غابت عن جلّ “المشاهير” الذين ما إن تسلط عليهم الأضواء، حتى يبلغ الأنا والاستعلاء منهم، مبلغ المقتل وإن على أشكال ومراحل. 
ومن صفات حاتم علي التي يعرفها المقربون منه، أنه خجول لدرجة الابتعاد عن الأضواء والخطابات، رغم ما يمتلك من ثقافة واسعة وما حقق من رصيد، يخولانه للتنظير وتمثيل بلاده على منصات ومحافل، إقليمية ودولية، ولذلك الأدب والتواضع، إن لم نقل الخجل، عامل إضافي بالتسلل إلى وجدان السوريين، خاصة من مؤثر بدلتهم أعماله عبر صفعات متتالية، وأعادتهم إلى لمراجع التاريخية والمقارنة حيناً ولإعادة النظر بكثير من المرويات والعادات بقية الأحايين.   
وقد، للخجل والزهد، دور وهام، بأن يعارض الراحل نظام القتل الأسدي، على طريقته، عبر الابتعاد والحزن الذي قتله، عبر مشروعه الفني الذي يتعدى “الجمهور عايز كده” أو كم ستدفع شركة الإنتاج…إذ من مقولات حاتم علي، أن بقول لا، نجاح للفنان أيضاً، على صعيد عدم التلوث والاشتراك بالتشويه، على أقل تقدير. 
وقد من أسباب الالتقاء والوجع الذي كسا جل السوريين وغيرهم، الموت المفاجئ لصاحب مشروع لم يكتمل، موت شاب بدأ صدى أعماله يتعدى المحلية وتعاظم الطلب عليه، إقليمياً وحتى دولياً.. موت سوري يشبه أكثرنا، على صعيد الحلم والسعي.. موت حالة أمل لكثيرين عولوا على فن حاتم علي كرافعة تعيد الوعي والمحبة، عبر تفكيك الألم ومن ثم تجميعه آمالاً. 
خلاصة القول: لو صوّر أحد لحاتم علي، مشاهد محبة وإجماع السوريين بعد وفاته ورآها قبل موته، لكان على الأرجح، خفف من التدخين والقلق والحزن، ولكان ربما تعاطى الحكي والصراخ والفضفضة، ومشاركة محبيه ولو بعض هواجسه وأوجاعه، ليهرب من الجلطة التي كان يستقدمها عبر طبائعه وإفراطه بالوجدانية والعمل والحزم والجدية.
لو رأى حاتم علي، كيف ودعته دمشق، بالعراضة والتصفيق والنحيب، لعرف أيّ أصالة ووفاء بادله إياهما السوريون وأيقن أن تفانيه وثمار مشروعه الذي لم يكتمل، لم يذهبا دونما أثر وتغيير… وأما لو قرأ حاتم علي ما كتب عنه، لحزن -رغم اعتزازه بمحبة السوريين-مرتين. الأولى للتشكيك بموقفه الوطني، رغم العلانية بالتعاطي وإن بسلوكيات وأدوات يجيد استخدامها..والثانية لأن البعض سعى لتنزيهه وتحريم نقده و نقله لمرتبة القداسة، فتأليه البشر ومفهوم الأوحد والواحد، كانت من عقد حاتم كما أكثرنا، فالرجل ولشدة ولعه بالعدالة وجعه من التفرد والاستبداد، كان يوزع بطولة أعماله، حتى على الكومبارس

Recent posts