كناكر.. قصة العميد مهندس الاغتيالات وأداتها الثائر السابق

*”كناكر” فجرت الخلافات بين فرعي 220 و215، وكادت تودي برأس العميد “طلال العلي”

*”البري”: لاعلاقة لي بالمخابرات العسكرية، فأنا أعمل في مكتب أمني!
عُرفت بلدة كناكر في ريف دمشق بأنها من أولى البلدات الثائرة ليس على مستوى المحافظة فقط، بل على صعيد سوريا بأكلمها، كما عُرفت البلدة باستعصائها الشديد في وجه محاولات النظام لإخضاعها تارة بالنار، وأخرى بوعود “المصالحات”.. وهو ما جعل الأسد يلجأ لخطته المفضلة قديما وحديثا.. الاغتيال.
موقع “ميدل إيست آي” سلط الضوء على خطط ومحاولات النظام لإخضاع كناكر، عارضا تفاصيل عن هذه الخطة ومهندسها ومنفذها الرئيس، في تقرير تولت “زمان الوصل” ترجمة أبرز ما جاء فيه.
بدأ التقرير بالقول إنه في وقت سابق من هذا العام، توغلت سيارة “غريبة” في بلدة كناكر، جنوب غربي دمشق، والتي تعد بوابة عبور إلى محافظة درعا.
كانت السيارة تتجه إلى “ثائر” سابق يدعى “عبده الحوري”، ويعرف بقلب “البري”، وعند الوصول إلى هدفها تم دس “البري” فيها بعد تعصيب عينيه، وسيق لمقابلة عميد في فرع 215 التابع للمخابرات العسكرية، عرف هذا العميد بتوحشه كما عرف بلقب “المهندس”.
وصل “البري” ليسمع من “المهندس” تعليماته، القاضية بضرورة تشكيل فريق اغتيال، مخصص لتصفية ما لايقل عن 22 من المؤثرين، الذين وقفوا بشراسة وثبات ضد مشروعات النظام في “كناكر”.
تم “تطميش” عيون “البري” وشخص آخر معه، طوال مدة الاجتماع مع “المهندس”، والذي استمر قرابة ساعة، لكن “البري” نفسه نفى عقد مثل هذا الاجتماع، ورفض اتهامه بالتورط في أي اغتيالات.
وحسب نشطاء، فقد كان من بين من تم التخطيط لاغتيالهم، شيوخ لعبوا دورا مؤثرا في المفاوضات بين الثوار والنظام،  أواخر عام 2016 وباتوا أصحاب الكلمة الفصل في البلدة ذلك الحين، كما إن قائمة التصفية تضم ثوارا رفضوا الترحيل إلى شمال سوريا، كما رفضوا في نفس الوقت تبديل البندقية والتجند في صفوف مليشيات النظام، كما فعل آخرون.

فاتحة خطة الاغتيالات الشيطانية، كانت في ليلة مظلمة من 7 شباط الفائت، حين قُتل “نعيم الزامل، وهو من الثوار، حيث أطلق عليه مهاجمون النار 4 مرات، وأردوه وسط البلدة، ما أثار صدمة في نفوس الأهالي، ودفعهم للخروج بالمئات في جنازة الشاب الذي كان قائدا في “لواء الفرقان”.

انطلقت دعوات الثأر لدم “الزامل”، وسرعان ما تمت تلبيتها بهدم منازل 3 أشخاص يعتقد أنهم نفذوا عملية القتل، وفروا إلى قرية “شبعا” بريف دمشق دمشق.
وفي خضم ذلك، وقف النظام متفرجا، إلى حين، على قتال أبناء البلدة الواحدة بين بعضهم… ثم أدخلت المخابرات كعادتها يدها في القضية، فأصدرت قائمة تضم 100 من الثوار السابقين، بدعوى محاسبتهم على تداعيات مقتل الزامل.
واستطاعت مخابرات الأسد القبض على 3 ممن أدرجت أسماؤهم في القائمة، ومن بينهم شقيق “الزامل”، كما قتلت 3 آخرين ادعت أنهم كانوا يخططون لهجمات في العاصمة دمشق.
تعد “كناكر” ذات موقع حيوي، فالبلدة التي تبعد عن دمشق نحو ساعة تقع على مفترق طرق تصل العاصمة بالقنيطرة إلى الغرب ودرعا إلى الجنوب.
ورغم عودتها لسيطرته منذ عام 2016، فإن حضور النظام وسطوته في “كناكر” ضئيل، وما زال يقع جزء كبير من إدارتها في أيدي ثوار سابقين، وشيوخ تولوا إدارة المفاوضات مع النظام.
ويبدو أن وضع “كناكر” كان وما زال يستفز النظام وأعمدة الإجرام فيه، وعلى هذا الأساس تحرك العميد المخابراتي “المهندس” لتعزيز دور المخابرات العسكرية وأعوانها، ولإطلاق حملة اغتيالات وتفجيرات من شأنها نشر الفتنة والسخط والفوضى في البلدة، وإتاحة المجال لقوى النظام أن تتدخل بحجة ضبط الوضع.
وجد “المهندس” ضالته في “ثوار” سابقين رضوا بتبديل البندقية من كتف لأخرى، وانخرطوا بعد “التسويات” كمرتزقة في صفوف “الفرقة الرابعة”، بينما يؤكد من يعرفون هؤلاء “الثوار” أنهم لم يكونوا يوما ثائرين حقيقيين، بل أناسا انتهازيين ركبوا الموجة، التي عنت لهم مزيدا من المال إما بفعل الحصول على الدعم أو بفعل السطو و”التشليح”، وهذا ما جعل من هؤلاء “خامة مناسبة” للقيام بأقذر الأدوار.
وقالت مصادر لـ”ميدل إيست آي”، أن “البري” تلقى من “المهندس” تعهدا بتزويده بمواد متفجرة وأسلحة خفيفة ومسدسات كاتمة للصوت لتنفيذ “المهمة”، كما وعد بإيداع مبالغ كبيرة من الدولارات في حسابه عندما ينجز ما أمر به.
وحسب رواية أحد المصادر فقد تم إنذار العملاء باستبدالهم إن هم فشلوا في تنفيذ ما أوكل لهم، وهذا الاستبدال سيجعلهم يفقدون حماية المخابرات لهم، ويحيلهم إلى صيد سهل لمن يريد الانتقام منهم، وهكذا لعبت مخابرات الأسد دورها المعهود في التخلص من المناوئين بأيدي العملاء، الذين سيفسحون بعمالتهم المجال لتدخل هذه المخابرات بحجة حفظ الأمن وحماية المدنيين.
من جهته، نفي “البري” معرفته بـ”المهندس”، وقال لـ”ميدل إيست آي” إنه عاطل عن العمل، لكنه أقر في نفس الوقت أنه كان مرتبطا بالفرقة الرابعة على مدار العامين الماضيين، وأن لديه نقاط تفتيش ومكاتب أمنية، قبل أن يعقب: “لكن لا علاقة لي بالعملية [اغتيال الزامل]”.
وأقر “البري” أنه هرب بعض الأشخاص من “كناكر” حتى يجنبهم غضبة الأهالي، عقب اغتيال “الزامل”، وأنه فعل ذلك ريثما تهدأ الأحوال.
وإلى جانب نفيه التورط في اغتيال “الزامل”، ادعى “البري” أن الزامل هو من أراد قتله من قبل، مضيفا: “الزامل أعطاني متفجرات لأضعها في دمشق، لكنني سلمتها [للدولة]، لذا أراد قتلي”.
وبحسب “البري”، فإن الثوار يتهمونه بقتل “الزامل”، للتخلص من “البري” ذاته، بعد أن عصى “الزامل” ولم يعد يلتزم بأوامره.
ومما قاله “البري” لدفع التهم عن نفسه: “لا علاقة لي بالمخابرات العسكرية ولا أثق بهم أبدا، أنا أعمل هنا فقط في مكتب أمني”.
ويبدو أن تصدي “المهندس” للعبث بملف “كناكر” لم يرض مجرمين آخرين، لأنهم اعتبروه تعديا على صلاحياتهم، فـ”كناكر” رسميا تقع ضمن إطار عمل “فرع سعسع” أي الفرع 220، وعليه عدّ تدخل “المهندس” المنتمي للفرع 215 تجاوزا للخطوط المرسومة، رغم أن كلا الفرعين يتبعان لنفس الإدارة (المخابرات العسكرية).
ويبدو أن التوترات بين ضباط المخابرات العسكرية أخذت منحى أكثر حدة، تجلى يوم 7 آذار/ مارس، بتعرض العميد طلال العلي، رئيس فرع سعسع لمحاولة اغتيال عبر عبوة ناسفة.
وقال أحد المصادر إن العميد طلال متهم بالفشل في إدارة الملف الأمني، فيما تتبادل قوات النظام والثوار المحافظين على خطهم عمليات الاغتيال.
لكن مصدرا آخر يشير إلى أن أجهزة أخرى للمخابرات تنشط على قدم وساق لتوسيع قاعدة العملاء، وتجنيدهم في مجموعات صغيرة، يصعب كشفها، لأن هذه المجموعات لا تتواصل مع بعضها، ولايعرف أفرادها بعضهم بعضا.

وبالمقابل، ترد أنباء عن انسحاب بعض أتباع “البري”، وتنصلهم من العمل معه، إما تحت الضغط وتهديدهم بالتصفية باعتبارهم خونة، وإما بفعل حث الشيوخ المؤثرين لهؤلاء، مخافة أن يركنوا لنظام مجرم عديم العهد، فيلحقهم من الشر أضعاف ما أغراهم النظام به.

Recent posts