عام 2016 خرج بشار الأسد في مؤتمر يحضره رجال الدّين منظّراً في الهوية السورية، وقائلاً إن السوريين لا علاقة لهم بالأمويين، وإن الأمويين جاؤوا من الصحراء، من قريش، وكان واضحاً وقتها أنه يتحدث عن سوريا أخرى مفصّلة وفق نظرياته، وفي تشرين الثاني 2017 خرج مجددا ليقول إنه لا يريد العروبة باعتبارها تتآمر عليه، لكن بشار نفسه “لحس الكوع” في كلمة له قبل أسبوعين من على منصة تعجّ باللّفات البيضاء في جامع العثمان “الكويتي”، معتبراً أن العروبة مستهدفة بالتفكيك عندما يقال إن سوريا جاءت أصولها من السريانية.
خلال خمسين عاماً من حكم الأسدين استمرأ النظام وحزب البعث كذبة أن دمشق هي قلب العروبة النابض، ولأجل هذه الكذبة تمت جريمة إنسانية بحق ملايين السوريين غير العرب، حيث جرى طمس ملامح الأكراد والسريان والآشوريين والكلدانيين والتركمان، ولم يكن البديل مطلقاً هو مفهوم المواطنة، بل البحث عن دور قسري لتضخيم دور سوريا في المنطقة، ولو أن نظام الأسد استطاع أن يدّعي أن دمشق هي قلب الإسلام النابض لفعلها، لكنها فضفاضة وغير تنافسية، لكنه فعلها بأن صدّر الإرهابيين إلى العراق، وصنّع آلاف الإرهابيين، وكان يستخدمهم عند الحاجة، إلى أن جاء دور استخدامهم في الدّاخل، فكانت الكثير من الفصائل الإسلامية المسلّحة تدار من مكاتب جميل الحسن وعلى مملوك وعبد الفتاح قدسية، وأطلق قياداتهم من سجونه ونشرهم في كلّ المناطق، ولن يكون غريباً إن قلنا إن بعضهم لايزال في أوج عطائه في قيادة مجموعات متشددة.
سياسياً، لا يحتاج خطاب الأسد الجديد لجلسة “فكّ طلاسم”، لأن الرجل منشغل في التحضير للانتخابات القادمة، ويبدو أن المطلوب منه ترك مساحة لعلاقة مع العرب، بعد أن بسطت إيران سجّادتها، كما يبدو أن الروس قانعون بأن إضعاف دور إيران لا يكون سوى بخلق توازن علاقات ومصالح مع الدول العربية، ومن جهة ثانية فإن بقاء الأسد حتى 2028 يحتاج لخطة إعادة إعمار، ولا أحد يستطيع أن يوقد تحت قدر الإعمار سوى المال، وهذا المال موجود عن دول الخليج، وهذا يتطلب مقاربة مختلفة، كأن يخرج سماحة الرئيس السوري مرتدياً العباءة لإرضاء العرب، والعمامة لإرضاء سنّة سوريا الذين ذبحهم ودمّر مدنهم وقراهم وأرسلهم إلى الخيام ودول اللجوء بالملايين.
مقابل رسائل الأسد، ثمة رسائل أمريكية لا تريد إيجاد حلّ في سوريا، وإنما تريدها بلداً مستعصياً لبضع سنوات قادمة على الأقل، فهي تتفرج على القرار 2254 وهو يتحوّل إلى ورشات في الجندرة وقياس تطبيق مدونات السلوك في التخاطب.
يقول صديقي العارف، إن مقولة أن روسيا تتحكم بالشأن السوري هي كذبة كبيرة، فالروسي عندما يخرج من أرضه يتحول من خصم إلى مستثمر صغير بالباطن.
تقودنا كلّ الدلائل إلى أن المحور المطبّع مع إسرائيل وضع خارطة طريق بالتفاهم مع الأمريكيين، وليس الروس سوى شركاء في ذلك، وحتى نفهم أكثر سرّ عودة النبض لقلب العروبة في دمشق، يبدو أن علينا أن ننتظر ونراقب التسويات والمفاوضات في مكان آخر وعلى قضايا مختلفة، فقد يكون طريق دمشق يمرّ من تل أبيب.