أجبرت الظروف الاقتصادية السيئة، وقلة الموارد، العديد من النساء والأطفال في محافظة درعا، على البحث عن أعمال تتناسب وإمكانياتهم الجسدية، وتؤمن لهم مصدر دخل مؤقت، يسهم في سد بعض احتياجاتهم الضرورية المتنامية.
وتقول “أم محمد” وهي أرملة أربعينية فقدت معيلها في إحدى معارك الجيش الحر مع قوات النظام قبل أربعة أعوام، إنها تضطر للعمل في الورشات الزراعية الموسمية، مهما كانت الأعمال صعبة، وذلك بهدف تأمين احتياجات أسرتها الأساسية من طعام وشراب، موضحة أن دخلها الشهري يتراوح ما بين 60 و75 ألف ليرة سورية، وأحياناً أكثر، ومع ذلك فهو لا يكفي الحد الأدنى من متطلبات أسرتها.
وأضافت أنها أم لثلاثة أطفال أكبرهم 12 عاماً، وكلهم في المدارس، ولا معيل لها بعد فقدان زوجها، مشيرة إلى أنها كانت تحصل على راتب زوجها، الذي يقدر بنحو 70 ألف ليرة من إحدى الفصائل العسكرية سابقاً، لكن بعد سيطرة النظام على درعا بمساعدة الروس قبل عامين، فقدت هذا الامتياز.
وقالت إنها تعمل من السابعة صباحاً وحتى الثالثة بعد العصر بأجر يومي يقدر ما بين 4000 و5000 ليرة سورية، لافتة إلى أن هذا المبلغ بالكاد يكفي ثمن طعام وشراب، ومنظفات، في ظل الغلاء الفاحش الذي تعيشه البلاد.
وأضافت قائلة: “دائماً ألتمس العذر للمقربين مني لتقصيرهم في تقديم المساعدة، لي ولأطفالي.. لأن الحال من بعضه، والكل يعاني من ظروف مادية سيئة وأحوال الناس متشابهة”.
فيما أشارت الثلاثينية “أنعام. س” إلى أنها تعمل في جميع الأعمال الزراعية المتوفرة من “تعشيب أراضي” و”قطاف زيتون” و”تحويش بندورة” و”بطاطا” وأعمال زراعية أخرى، لافتة إلى أنها مضطرة للعمل لأنها تعيل أسرة مكونة من طفلين، وأب وأم عجوزين (والديها)، بعد أن اعتقل النظام زوجها قبل ثلاثة أعوام.
وأضافت: “في السابق كان هناك جمعيات، وكفلاء، كانوا يقدمون المساعدات العينية والمادية لزوجات المعتقلين والأرامل والأيتام. ولكن بعد سيطرة النظام على الجنوب السوري، لم يعد أحد يجرؤ على تقديم شيء خوفاً من الملاحقات الأمنية، لذلك الكل مضطر للبحث عن لقمة الخبز”، حسب وصفها.
أما “أم جواد” -50 عاماً- زوجها مفقود منذ عدة سنوات، فقالت إنها تعمل في محل ألبسة مقابل 2500 ليرة سورية يومياً، لافتة إلى أنه على الرغم من قلة المبلغ الذي تحصل عليه، إلا أنه يساعد قليلاً إلى جانب بعض المساعدات التي تصلها من أقاربها خارج البلاد.
وعبّرت عن استعدادها للعمل في أصعب الظروف، من أجل تأمين المصاريف الدراسية لأولادها الثلاثة، موضحة أن الحياة صعبة والغلاء فاحش، وأن جميع أفراد أسرتها المكونة من أربعة أفراد، مضطرون للعمل خلال العطل، بما فيها العطل الأسبوعية، من أجل توفير بعض المبالغ لتأمين احتياجاتهم الضرورية.
فيما لم يرغب الطفل “عامر” البالغ من العمر 15 عاماً، الاتكال على والدته في تأمين مصاريف الأسرة، لافتاً إلى أنه ترك مدرسته لينضم إلى سوق العمل في ورشة لتصليح الدراجات الهوائية.
ويقول “عامر” إنه أكبر أفراد أسرته المكونة من خمسة أفراد، لذا تقع عليه مسؤولية تأمين مصاريف أسرته، بعد أن رفض السماح لوالدته بالعمل خارج المنزل.
وأضاف أنه قرر أن يسلك أقصر الطرق، في سبيل الحصول على عمل، وتعلم مهنة تصليح الدراجات الهوائية، التي يحبها كثيراً، كما قال.
وأضاف: “كنت أتمنى أن أبقى على مقاعد الدراسة إلى جانب رفاقي لكن ظروف أسرتي لا تسمح بذلك، فالدراسة طويلة وتعلم مهنة بوقت قصير أمر سهل”، لافتاً إلى أنه الآن يتقن المهنة بشكل جيد، ويحصّل يومياً ما بين 2000 و2500 ليرة سورية، تسهم في تأمين بعض احتياجات الأسرة.
ويقول المختص في علم الاجتماع “سهيل أحمد” أن العمل حاجة ضرورية لتأمين دخل يحفظ ماء الوجه، ويحفظ للإنسان ما تبقى من كرامة، لافتاً إلى أن الظروف الاقتصادية السيئة، وقلة الموارد، وغياب المعيل الرئيسي للأسرة، كلها أسباب دفعت بالنساء، والأطفال، للنزول إلى سوق العمل.
وأضاف أن غياب الجمعيات الخيرية، والمؤسسات الرعوية، وعدم اهتمام مؤسسات النظام باليتامى، والأرامل، وبزوجات القتلى والمعتقلين، جعل هذا الجيش من اليتامى والنساء، ينزل إلى الأسواق، للبحث عن عمل يسد بإنتاجه بعض حاجاته.
وقال: “بت تشاهد المرأة السورية في جميع مجالات العمل المتاحة، بما فيها المجالات التي كانت إلى وقت قريب حكراً على الرجال”، موضحاً أن المرأة السورية بشكل عام باتت تمارس كل المهن للحصول على لقمتها ولقمة أطفالها، فتراها سائقة تكسي، وعاملة مخبز، فلاحة في الحقل وعاملة في المعامل، وقارئة عداد كهربائي.. والقائمة تطول.
ولفت إلى أن النظام بدأ يعامل أفراد المجتمع السوري على أساس الولاءات والانتماءات، ففي حين يهتم بأطفال ونساء قتلى قواته، ويؤمن لهم بعض الخدمات والرواتب، يترك باقي الفئات المتشابهة بالظروف على قارعة الطريق، عرضة لكل أشكال الانحراف الأخلاقي والسلوكي.
يشار إلى أن عشرات الأسر الفاقدة للمعيل في المحافظة تعاني ظروفاً إنسانية قاهرة، بالتزامن مع انتشار البطالة، وقلة الموارد، والغلاء الفاحش الذي يضرب البلاد، الأمر الذي يتطلب من أصحاب الأيادي البيضاء في داخل البلاد وخارجها، بذل الجهود الممكنة، والعمل على إيجاد آليات مساعدة تسهم في التخفيف من معاناة هذه الأسر، وتحفظ كرامتها، لا سّيما في فصل الشتاء، الذي تنحسر خلاله الأعمال والموارد، وتتضاعف المصاريف والأعباء.
هذا ويوجد في محافظة درعا وحدها أكثر من 12 ألف يتيم حسب إحصاءات غير رسمية معظمهم من أبناء المعتقلين والمفقودين والقتلى يعيشون في أسوأ الظروف الاقتصادية بعدما تخلت عنهم المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية بعيد استعادة النظام السيطرة على الجنوب السوري إضافة إلى وجود آلاف النساء من زوجات المعتقلين والمفقودين والأرامل وكلهم بحاجة ماسة إلى مصادر دخل تقيهم العوز.