هموم السوريّ.. أكبر من ربطة خبز، وكورونا

“تخيل كل ثلاثة أشهر جرة غاز، وكل يوم ربطتي خبز لعائلة تتألف من أب وأم وأربعة أطفال، ومع ذلك فالمشكلة لم تعد في هذه الأمور اليومية التي سئمنا من الشكوى منها، وحتى الكورونا ليست مهمة، وأن يموت كل يوم العشرات ليس مهماً”.. هذا ما يراه “محمود” الذي كان يعمل سائقاً للتكسي بدمشق، وعاطلاً عن العمل حالياً.

“أموات نمشي”
يتابع “محمود” في وصف حالة السوريين في مناطق سيطرة النظام: “أخبار الطوابير لم تعد تهم أحد، ففي ظل عدم وجود عمل يصبح الحديث ترفاً زائداً، وأما عروض العمل فهي قليلة ورخيصة فمثلاً عرضت علي شركة نقل خاصة العمل معها لمدة 12 ساعة مقابل 70 ألف ليرة”.

“خالد” من كفرسوسة بدمشق يرى أن السوريين هنا لم يعودوا كائنات حية، حسب وصفه: “نحن أموات نمشي فالأحياء يعيشون في الضوء ويأكلون بعض ما يشتهون، ولديهم وسائل نقل وتدفئة في فصل الشتاء، وإحساس بمن حولهم من المرضى والأموات. لكننا اعتدنا هذه الأخبار”.
 
كورونا.. أم الجوع؟
لا يرتدي “أبو أحمد” السبعيني الكمامة أثناء ذهابه للتسوق من باب السريجة، وهو من الأعمار التي يشكل كورونا خطراً شديداً عليها، ويمكن أن تقتله. لكن، لـ “أبو خالد” منطق آخر في ذلك: “بعد السبعين ما الذي سأخاف منه، ومنها عشر سنوات كان الموت فيها ينتظرني في كل خطوة، ولولا أولادي الذين هاجروا كنت مت من الجوع، وهِجرتُهم موت من نوع آخر، ويأتي من يخوفني من كورونا”.

“ممدوح” بائع خضار في سوق جديدة عرطوز بالريف الغربي لدمشق يعيش يومه فقط، فالغد مجهول، ومع ارتفاع حالات كورونا في الريف يعتقد أن لا شيء سيتغير: “ما نسمعه من تصريحات بالإغلاق الجزئي كاذبة فالحكومة لا يعنيها حالنا، ونحن لا يعنينا كورونا. في النهاية يجب أن تعود إلى البيت بالمصروف فاليوم الذي لا نعمل فيه لا نأكل فيه”.

“فاطمة” مدرّسة في ريف دمشق لم تستطع شراء (مانطو) منذ العام الماضي والسبب راتبها الذي تصفه بالوضيع: “سعر المانطو 40 ألف ليرة وراتبي 50 ألف ومع راتب زوجي لا نستطيع تسديد إيجار المنزل، فما بالك ببقية هموم الحياة”.

المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي وصفحات السوريين في الداخل يلمس مدى اليأس الذي تعيشه كل شرائح المجتمع حتى النخب تحاول تغيير الخطاب الذي اعتادت عليه لكنها لا تتجاوز حاجز انتقادات متدنية، فعصا الخوف تعصف بهم، وأما الفقراء وهم الأغلبية فيبحثون فقط عن قوت يومهم في بلاد محطمة فاشلة.

Recent posts