يوميات منفردة مسلسل ينقل معاناة المعتقلين وآلامهم داخل صندوق

بدأ مؤخراً عرض مسلسل “يوميات منفردة” على يوتيوب وهو مجموعة من السكيتشات التلفزيونية القصيرة التي تدور حواراتها بين معتقَلين في سجن سوري ما صيف عام 2012، ويحكي المسلسل المكون من 8 حلقات ويقوم ببطولته الفنانان التوأم أحمد ومحمد ملص قصة أوس الشاب الموجود في المنفردة منذ الأيام الأولى للثورة بسبب موقفه السياسي المناهض للنظام، والآخر هو قيس الذي يدخل السجن بسبب خلافه مع أحد أبناء الضباط، وبين أوس وقيس تستعرض السلسلة عدد من المواضيع الشائكة في وجهات نظر مختلفة بين الثائر المتمرد والمستسلم للسلطة الديكتاتورية.
كما يروي مؤلف العمل الكاتب “بلال البرغوث” لـ”زمان الوصل” مضيفاً أنه في “يوميات منفردة” لم يكن الراوي فحسب بل ناجِ من تلك الأقبية، وكذلك بطلا العمل الأخوين ملص وهذا ما جعل المشروع -حسب قوله- عبارة عن سردية ذاتية وكأنك تتكلم بالهمسات التي كانت تشاركك في تلك الأيام، وتابع برغوث أنه وجد نفسه هناك في الزنزانة الصغيرة التي صوّر فيها ووجد نفسه في دراماها وحواراتها التي توخز الذاكرة وتحك أعماق الروح.
واستدرك: “لاحقاً عندما رأيت المشروع على الشاشة كان هاجسي الوحيد هو أنني هل استطعت بالفعل أن أنقل بعض الحكاية؟ وهو ما لا يمكنني أن أجيب عليه, بل من يمكنه ذلك هو المشاهد.

حقك سيجارة

وحول ولوجه لمجال الكتابة التلفزيونية وهو الكاتب الروائي وسبب هذا التوجه أشار محدثنا إلى أن الأعمال البصرية هي أسرع انتشاراً وأقرب إلى الجمهور دائماً، والطريقة الأفضل في وقتنا الراهن لاستعراض الأفكار ومناقشتها، ولفت برغوث إلى أن كل حلقة من “يوميات منفردة” تقدم فكرة قائمة على موضوع شائك، موضوع خيانة السوري لأخيه السوري والوشي به لدى الأجهزة الأمنية مقابل مكرمات معينة، موضوعات حقوق المرأة والديمقراطية الحقيقية والانتماء الوطني ومحدداته ومواضيع ومواقف أخرى، جميعها هي مواضيع لا يكاد ينتهي الحديث عنها إلى اليوم.
واستدرك المصدر أن أصل أفكار عمله الجديد هو الحالة السورية ذاتها، حالة الثورة والعنف المضاد، الانتماء للثورة أو للديكتاتورية، وأما عن المقاربة من عالم المعتقل بحد ذاته، فلا يخفى على أحد الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان الجاري في معتقلات النظام، كذلك روايات المعتقلين الناجين من تلك الأقبية، وكل ذلك وظفه-حسب قوله- في صناعة الحوار ووظفه المخرج رحماني بمساعدة الأخوين لتخرج الصورة بهذه المقاربة.
ونوّه كاتب العمل إلى أن لدى الأخوين ملص تجربة غنية جداً، سواءً في المسرح أو السينما وكشف أنه أثناء تصوير حلقة “حقك سيجارة” ارتعش جسده بالفعل أثناء أداء محمد لشخصية أوس، هذا الأداء الذي جعل الحوار الموجود على الورق ينطق بكم هائل من الأحاسيس الصارخة ولغة الجسد المعبرة جداً، وكذلك ردود قيس المتنمرة عليه.
وأردف : “في كل جملة في الحوار كنت أشعر أن الأخوين ينطقانها تماماً كما وردت في رأسي بالمرة الأولى أثناء كتابة النص، يمكنني القول اليوم بأنني كنت محظوظاً جداً بمشاركتهما وبأن أداءهما العالي أوصل الشخصيات لمكان أبعد من ذلك الذي رسمته في مخيلتي”.

صناديق محكمة الإغلاق

وفيما يتعلق بحصر مشاهد يوميات منفردة في حيز مكاني واحد هو الصندوق وما دلالات ذلك على الصعيد المكاني والمعالجة الدرامية أشار البرغوث إلى أن فكرة الصناديق لهذه الزنازين هي فكرة السينوغراف رجائي القوجة وأراد من خلالها -كما يقول- محاكاة جوانب متعددة من الزنازين، وإيصال فكرة أن هؤلاء المكبوتين داخلها ليس لديهم القدرة حتى على الحركة بأريحية، هم مخنوقون بالفعل، غير قادرين حتى على الوقوف فيها، وهذا ما أدى بالفعل مهمة الحيز المكاني في خدمة النص، حيث عبر عنه أفضل تعبير عندما حبسهم الديكتاتور داخل هذه الصناديق محكمة الإغلاق التي يملك هو فقط مفاتيحها، ومن بداخلها لا يملكون من أمرهم شيئاً.
ولفت محدثنا إلى أن الخبرة التي امتلكها الأخوان ملص فيما عُرف بمسرح الغرفة كان لها أثرها البائن على تصوير الحوارات وإخراجها بهذه الشكل فهما متمكنان جداً من العمل في ظروف قاسية على الصعيد المكاني، ولديهما قدرة  هائلة على التعبير عن أحاسيس ومشاعر النص, كل تلك الخبرة أضافاها على العمل, الذي خرج -حسب رأيه-  بطريقة قريبة جداً من المشاهد.  

بين الدراما والرواية

وعبّر البرغوث عن اعتقاده بصعوبة محاكاة تجربة مسرح الغرفة للأخوين ملص لأنها فكرة مبتكرة للتخلص من هيمنة السلطة الحكومية على المسارح والحركة الثقافية في سوريا، فكرة الصندوق وجدت لأسباب مختلفة، وجدت للتعبير عن الضيق المكاني في السجون، وكذلك للتعبير عن الكبت والكم لتلك الأفواه داخل تلك الصناديق.
ولدى سؤاله أين يجد نفسه في الكتابة الدرامية بعد تجربة روائية مهمة ومالذي أضافته الكتابة للدراما على المستوى الإبداعي ومساحة التعبير أوضح الكاتب الشاب أن التجربتين لا تختلفان ذلك الإختلاف الشاسع فالرواية والدراما وغيرهما هي أدوات لاستعراض الأفكار والوقائع، وكل منها تخدم تلك الأفكار بطريقة معينة، واستطرد أنه يجد في الرواية ذاكرة طويلة الأمد، قادرة على البقاء وعبور الأزمنة وفي الدراما البصرية وسيلة سريعة الانتشار قريبة من الناس، وطالما أن كلتا التجربتين تساعدانه على مشاركة أفكاره وسرد آلاف الحوادث والوقائع التي ينوي إيصالها للقارئ والمشاهد العربي، ولكن يبقى النّفس الروائي مختلف بطبيعة الحال، بينما يتطلب صياغة عمل درامي انتقاء أفضل للحوارات لتكون أقرب إلى المشاهد العادي، وكذلك قولبة الأفكار بقالب أسهل للفهم.

بطاقة العمل:
يوميات مُنفردة 
إخراج: رحماني – تأليف وإنتاج: بلال البرغوث
تمثيل: الأخوين_ملص
مدير التصوير : توفيق عريضة – سينوغرافيا وإضاءة : رجائي القوجة
ميك أب أرتيست: جان داوود – موسيقى البداية والنهاية: ميفان يونس
تحريك إضافي: وارف أبو قبع – مؤثرات: سلام الحسن.

Recent posts