لم يحلْ رفضه في اختبارات القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق لأكثر من مرة دون أن يحقق الممثل الشاب “عادل درويش” حلمه بعد لجوئه إلى السويد ليتم ترشيحه منذ أيام لجائزة “الخنفساء الذهبية” من المعهد السينمائي السويدي كأفضل ممثل عن الفيلم السويدي “Ghabe” بعد نيله لجائزتين الأولى: من نيوجيرسي/ أميركا Golden Door International Film والثانية: من لندن/ المملكة المتحدة من London International Film Festival.
وينحدر درويش من مدينة حلب، تخرج من جامعتها كمهندس اتصالات ليدرس بعدها التمثيل في حلب لمدة سنتين وشارك أثناءها في العديد من الأعمال المسرحية في حلب، وتقدم إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق لثلاث مرات، ولكنه لم ينجح بسبب المحسوبيات، ونتيجة ظروف الحرب لجأ في نهاية العام 2015 إلى السويد، حيث تمكن من إتقان اللغة بزمن قياسي لم يتجاوز السنة وتقدم لأكاديمية التمثيل في السويد ونجح مع 11 طالباً من أصل 1200 متقدم ليتخرج من الأكاديمية العام الماضي 2020.
ويستعيد الفنان الشاب في حديث لـ”زمان الوصل” بدايات شغفه بالتمثيل حينما كان لا يزال في التاسعة من عمره وكان -كما يقول- يلعب مع أخته التوأم على أنه طفل يتيم الأهل ويعيش في كنف جارة كانت شريرة تقوم بتعذيبه، وكان شديد التأثر والإندماج في المقاطع التمثيلية التي كان يؤديها -كما يقول – ومنذ ذلك الوقت نمت في داخله رغبة التمثيل وتقمص شخصيات ليست شخصيته، وعندما بلغ السادسة عشر من عمره بدأت الممنوعات من الأهل والمجتمع تنهض أمامه وتقف حائلاً دون إشباع موهبته وكان حلمه أن يصبح ممثلاً عندما يكبر لأنه من خلال المسرح يستطيع تجاوز الخطط الحمراء وكسر عوائق الممنوعات، وبدأ درويش بعد ذلك بكتابة أدوار لنفسه ليصبح ممثلاً: “حينها أحسست بعالم ثانٍ وأنا أكتب هذه الأدوار وترافق هذا الشعور براحة نفسية مرعبة”.
بعد تخرجه من أكاديمية التمثيل في السويد 2020 وأثناء دراسته قام درويش بكتابة مسرحية اسمها Hierarcy of needs أخرجها المخرج السويدي الكبير Mattias Andersson، وتم عرض هذه المسرحية على مسرح Backa-teater وفي بولندا وبلجيكا، وبعد هذه المسرحية حصل- كما يقول- على عقد عمل في المسرح ذاته حيث يعمل ممثلاً وكاتباً مسرحياً فيه الآن.
وأضاف الفنان العشريني أنه شارك في السنة الأولى من العمل في Backa-teater مع زملائه في عمل مشترك بين Backa-teater و Dramaten”المسرح الملكي السويدي”، وكانت المسرحية وهي من النوع الوثائقي بعنوان “نحن الذين تسنّى لنا العيش من جديد” من إخراج المخرج السويدي Mattias Andersson.
وكشف محدثنا أن المخرج المذكور قام بطرح سؤال على 500 إنسان متواجد في السويد من ثقافات مختلفة.. من سويديين وعرب وألمان وكان السؤال هو: “ماذا كنت ستفعل لو تسنّى لك الحياة من جديد” وكان هناك أكثر من 500 جواب قمنا بعرض مسرحي من خلال تلك الأجوبة فالعرض كان يطرح مواضيع مختلفة ومنها اللجوء.
وفيما إذا شعر برهبة في الوقوف على المسرح الذي عمل فيه من قبل المخرج العالمي “إنغمار بارغمان” والكاتب الشهير “اوغيست ستريندباري” أشار عادل إلى أن الرهبة التي انتابته لم تكن رهبة سلبية بل كانت إيجابية وأشبه بـ”القداسة”.. ومبعث هذا الشعور –كما يقول– هو عدم شعوره بالغربة كما هو متوقع لوافد جديد إلى السويد، بل شعر كما لو كان ابنهم وهم أجداده ولم يعلموا أن ممثلاً سورياً سيقف في عام 2019 على تلك الخشبة ويمثل باللغة السويدية.
ولم يقتصر نجاح الشاب القادم من حلب على المسرح بل حقق نجاحات أخرى في السينما من خلال مشاركته في الفيلم السويدي “Ghabe”، وهو أول إطلالة سينمائية له على الجمهور السويدي، وكانت أجواء التصوير –كما يروي- دافئة رغم البرد والصقيع الذي كان يسيطر على السويد حينها.
ويحكي فيلم “غابة” قصة شاب سوري يقع الشاب في حب فتاة سويدية مختلفة عنه كلياً في اللغة والثقافة ولعب -كما يقول- دور الشاب السوري لكن أم الفتاة عنصرية ومن هنا يتخلل الفيلم الكثير من الدراما والصراع، ولفت درويش إلى أن مقولة الفيلم تتجسد في أنه ليس هناك إنسان على الكرة الأرضية مجرد من الغلط وجميع شخصيات الفيلم قامت بأغلاط، كما ليس هناك الجيد والسيء بل إن المقياس في تفاوت المفهومين يرجع إلى الثقافة والصور النمطية والمعتقدات بين البشر.
وحول التحديات والصعوبات التي واجهته في بلد اللجوء وكيف تمكن من التغلب عليها أشار درويش إلى أن أغلب التحديات التي تواجه الموهوبين عموماً في السويد هي اللغة والتقبّل والتكيف مع المجتمع والثقافة الجديدة، وتمكن من تخطي تلك التحديات –كما يقول- بإصراره ووضعه نقطة هدف سيصل إليها ولو بعد حين.
ويعمل عادل الذي يعيش بمفرده في السويد كممثل مسرحي في مسرح Backa-teater موزعاً وقته بين القراءة والكتابة حيث يعكف على كتابة مسرحية جديدة للأطفال، ويطمح -كما يقول- إلى الإخلاص في عمله وتكريس جزء كبير من حياته ووقته لمهنة التمثيل التي يعشقها ويحاول أن يوسع علاقاته بفناني من جميع أنحاء العالم لتبادل الخبرات وتلوين الأفكار وتوسع منظوره للحياة.