توكأ “أبو علي جعفر” على عصاه ووقف على باب محاسب فرع نقابة المهندسين الزراعيين في طرطوس، نادى بأعلى صوته “يا عالم، ياهو، عم يدّنوا نفسن ويسرقونا عينك عينك، ما عاد في مستحى ولا خوف لا من ألله ولا من النظام، وفوق هيك بيقلّعونا، وبيسبّوا علينا، ويتهمونا أنو نحنا حراميّة وبدنا نقبض أكتر من مرّة”.
“أبو عليّ جعفر” هو والد المهندس الزراعي “عليّ ـ م”، الذي قتل أثناء خدمته الاحتياطية مع جيش الأسد في عام 2014، خلال اشتباكات مع فصائل الجيش الحرّ في ريف اللاذقية بجبهة سلمى.
حصّة والده من راتبه التقاعديّ تعادل “7000” ليرة سوريّة، أيّ أقلّ من “3” دولارات، يستطيع “أبو جعفر” أن يشتري بها “علبتيّ متّة وباكيت حمراء طويلة”.
تفاجأ “أبو عليّ” عند ذهابه لقبض مخصّصاته من تقاعد ابنه القتيل عن أشهر “10 و11 و12” لهذا العام، بأنّ أحدهم قد وقّع مكانه، وقبض راتب الشهر العاشر. كان توقيعاً دون بيانات أو اسم.
اعتاد “أبو علي جعفر” أن يذهب كل ثلاثة أشهر لقبض راتبه، كي يصبح الأمر أكثر جدوى، وكي لا يدفع إيجار الحافلة من بلدته القريبة إلى طرطوس في كل شهر وهو يكلف “2000” ليرة سوريّة، أي أكثر من ربع الراتب الشهريّ.
كان الأمر في البداية أسهل عندما كان يقبض الراتب عن طريق الصرّاف الآليّ، ولكن أمراً طارئاً أو قراراً إداريّاً ألغى البطاقة والقبض من الصراف، وأصبح قبض الراتب يتمّ مباشرة من المحاسب.
عانى “أبو علي” من ذلك الكثير، وفي كل مرّة كان المحاسب يخلق له مشكلة لكي يعيقه عن القبض، فتارة يتذرّع بأنّه لا يحمل بطاقته الشخصيّة ومرّة أخرى بعدم ورود اسمه في جدول الورثة، وتارة يوبّخه المحاسب لأنه يأخذ حصّته، ويحرم زوجة ابنه الشابة من المال، وهي أكثر حاجة منه، “مع العلم أنها قد تركت العائلة، وانتقلت مع ابنتيها إلى المدينة، وهو لا يعلم أين تسكن ومع مَن، ولا تسمح له بزيارتها ورؤية حفيدتيه، وحتى أنها ألغت رقم هاتفها بعد أن ألحّ في طلبه منها أن تعود لتكون قريبة منه، لكي تعيش حفيدتيه تحت رعايته”.. وفي مرات أخرى، يوبخ المحاسب “أبو علي” بأنّ بياناته غير صحيحة، ويطالبه بتبديل الهويّة، أو بالحصول على بيان قيد مع صورة تؤكد شخصيّته.
قال “أبو علي جعفر” لموقع “اقتصاد”: “عندما راجعت المحاسب لكي أعرف اسم من قبض راتبي بدون هوية أو اسم، أجابني المحاسب: (كل ما أعرفه أن راتبك قد تم قبضه)، وأنه لا يستطيع عمل شيء”.
وأضاف: “كل من تعامل مع المحاسب يعلم نفسيّته ومعاملته النزقة وطريقة ردوده المتعجرفة، ولكن الأهمّ كيف يقبل توقيعاً بدون اسم مع أنه كان يدقّق عليّ في كل مرة وهو يعرفني شخصيّاً، فهل نزل شخص من القمر ووقّع وقبض دون علم المحاسب”.
وتابع: “حدث نفس الأمر مع رجل آخر كبير بالعمر جاء ليقبض رواتبه منذ الشهر السادس، وبنفس الطريقة، تفاجأ بأنّ راتبه مقبوض عن الشهر السادس”.
وأردف: “هل وصلت بهم الخسة إلى أن يسرقوا أقواتنا ومبالغنا التافهة، التي لا تشتري قوت يوم واحد لنا، وهي أقلّ من ثلاثة دولارات، وإذا حسبناها وفق أسعار الصرف (أيام زمان) قبل 2011، لما بلغت أكثر من 140 ليرة سورية”.