على غير العادة في مثل هذه الأوقات من شهر رمضان الفضيل من كل عام، بدت حركة أسواق درعا هذا العام خجولة جداً، مقارنة مع الأعوام السابقة، يغيب الازدحام المعهود في أيام مثل هذا الشهر، عن معظم مناطقها.
وتشير العديد من المصادر المحلية إلى أن النشاط التجاري الرمضاني في مناطق درعا، يقتصر هذا العام على شراء المواد الأساسية والضرورية، وفي حدوده الدنيا فقط، مع غياب واضح للطقوس الرمضانية المعتادة، بما يرافقها من نشاط وحركة، لا سّيما في الساعات الأخيرة قبيل الإفطار.
ويلاحظ السائر في العديد من مناطق ريف درعا، لا سّيما الغربي منها، غياب ذلك الانتشار الكبير لبسطات الباعة والمهن الرمضانية المعتادة، كباعة العرقسوس والتمر هندي والحلويات الشعبية، كالمعروك والعوامة والهريسة، وألواح الثلج، كما وتغيب صيحات الباعة المروجة للبضائع، التي غالباً ما تتعالى في مثل هذه الأيام المباركة، فكل شيء يسير بصمت مطبق.
كما يلاحظ المتتبع لحركة الأسواق، التراجع الواضح لحركة وسائط النقل وأصوات الدراجات النارية، التي عادة ما تزعج المارة في معظم مناطق الريف الحوراني، فيما يغيب ذلك الازدحام عن أبواب المطاعم الشعبية، التي تبيع الحمص والتسقية والفول والمخلل وغيرها، من المقبلات الرمضانية التي اعتاد السكان على شرائها في ساعات ما قبل الإفطار بعد أن أصبحت أسعارها هي الأخرى كاوية يتراوح الكيلو منها ما بين 4000 و5000 ليرة سورية.
ويشير عدد من المواطنين، الذين التقيناهم، إلى أن الوضع الاقتصادي السيء لعامة الناس، والغلاء الفاحش الذي يضرب مناطق سيطرة النظام، وشح المحروقات وارتفاع أسعارها (5500 ليرة لليتر البنزين و3000 للمازوت و36 ألف ليرة للغاز المنزلي)، هي من الأسباب الرئيسية لهذا الوضع الذي وصلت إليه سوريا بشكل عام، ومحافظة درعا بشكل خاص.
ويقول “أحمد القاسم” -45 عاماً- وهو معلم مدرسة، إن شهر رمضان هذا العام يعتبر الأثقل اقتصادياً ومعيشياً منذ بداية الثورة السورية، بالنسبة لعامة الناس في جميع مناطق درعا، بسبب غياب فرص العمل ومصادر الدخل، وانتشار الفقر والبطالة والغلاء.
وأضاف أن ما زاد الأمور صعوبة، وفاقم الأوضاع المعيشية للأهالي، أن شهر رمضان الفضيل حل هذا العام، مع نهاية فصل الشتاء، حيث كانت معظم النشاطات الاقتصادية على قلتها متوقفة طيلة الأشهر الماضية، بسبب الأحوال الجوية، ووباء كورونا، إضافة إلى أن جميع المدخرات المالية والمساعدات القادمة للأهالي من الخارج قد تم إنفاقها خلال الشتاء.
فيما أشار “غسان المحمد” -30 عاماً- وهو موظف في إحدى مؤسسات النظام، إلى أن راتب الموظف في الوقت الحالي بالكاد يكفيه أسبوعاً واحداً، مع اتخاذ جميع إجراءات التقتير والتوفير.
وأضاف أنه كان يعمل سائق تكسي بعد الدوام لكسب دخل إضافي، لكن الغلاء الفاحش للمحروقات، تسبب بإيقاف عمله وجميع الأنشطة السكانية، بما فيها حركة التنقل، وكل الأنشطة المرافقة.
ويقول “سعيد الصلاح” -50 عاماً- وهو تاجر: “رغم أن كل المواد الاستهلاكية متوفرة، لكن الإقبال عليها قليل، بسبب الشح المالي وغلاء الأسعار”، لافتاً إلى أن الكل يتمنى أن يأكل بشكل جيد، ويشتري ما يشتهي، لكن لسان حال الغالبية يقول “العين بصيرة، واليد قصيرة”، والفقر أخذ يستشري بين الجميع، حسب وصفه.
وأضاف أن المستهلك بات يشتري المواد حسب حاجته اليومية، ولم يعد يستطيع شراء المواد الاستهلاكية بكميات كبيرة، كما كان يفعل في السابق، وذلك بسبب ضعف الإمكانيات المادية.
وتشير “سعاد الحسن” -40 عاماً- وهي موظفة، إلى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، غيّرت هذا العام الكثير من الطقوس الرمضانية المعتادة، فلا وجود “للمات” الأهل، ولا لتبادل أطباق الإفطار بين الجيران، والعزائم إلا ما ندر، كما تغيب اللحوم –بأنواعها- والحلويات عن الموائد، وبات الإفطار يقتصر على طبق أو طبقين في أغلب الأحوال، لافتة إلى أن أقل عزومة باتت تكلف أكثر من راتب موظف.
وقالت: “اللحوم غالية جداً ومتوسط راتب الموظف لا يشتري 2 كيلوغرام من اللحم، بعد أن وصل الكيلو إلى ما بين 24 و28 ألف ليرة سورية، والفروج إلى 6000 ليرة سورية”، موضحة أن أرخص كيلو من الحلويات الشعبية كالعوامة أو الهريسة يتجاوز الـ6000 ليرة سورية.
ولفتت إلى أنها مثل الكثيرين تستعيض عن لحوم الغنم والبقر، بلحوم الفروج المفرومة، والتي يصل الكيلو غرام منها إلى ما بين 7000 و8000 ليرة سورية، فيما تستعيض عن حلويات السوق بصناعة “اللزاقيات” والبسبوسة، وبعض الحلويات الشعبية المنزلية التي اعتادت أن تصنعها.
يشار إلى أن الأسعار في معظم مناطق درعا، شهدت مع دخول شهر رمضان بعض الزيادات، على الرغم من مزاعم مؤسسات النظام طرح العديد من المواد الاستهلاكية بأسعار مخفضة، وتراجع أسعار صرف الدولار.
وقالت مصادر تجارية، إن التخفيض طال بعض المواد وليس جميعها، فيما أكد العديد من التجار أن الأسعار مازالت مرتفعة، وذلك بسبب عدم ثقتهم بانخفاض الدولار، وتوقعهم أن يرتفع مجدداً في أي لحظة، إضافة إلى أنهم يبررون البيع بأسعار مرتفعة لأنهم اشتروا ما في حوزتهم من بضائع وسلع بأسعار تصريف عالية، لذلك فهم مضطرون لبيعها بأسعار مرتفعة، كما أفاد أحدهم.