كم وكمكم قرأنا وشاهدنا أفراحاً للاجئين سوريين، خلال حصولهم على جنسية بلدانهم الجديدة، وكأنهم ولدوا من جديد، وقلما، أو ما ندر، سمعنا عن لاجئ سوري رفض جنسية البلد المضيف، محتفظاً بجنسيته السورية على أمل العودة والبدء بعد الدمار، من جديد ؟.
بل أكثر، سمعنا وقرأنا عن سوريين، دفعوا “أموالاً طائلة” للحصول على جنسية جديدة، فمن لبنان وموجة ما قيل عن تجنيس التجار والصناعيين إلى تركيا وإيداع 500 ألف دولار بالمصارف للحصول على الجنسية الاستثنائية، وصولاً للسودان وإقامة مشاريع للعيش برغد الجنسية الجديدة.
وهذا كله، عدا الدول التي استقبلت السوريين كلاجئين وليس كحماية مؤقتة، من أوروبا الغربية للأمريكيتين وآسيا وصولاً لجزر الواق الواق ببحر الصبن، فتمنح، بحكم عدد سنوات اللجوء وشروط أخرى، الجنسية للسوريين.
وربما ما لفتني أخيراً لنكء هذا الجرح، مسحاً أجراه مركز أبحاث الهجرة والاندماج في الجامعة التركية الألمانية، وخروجه بنتائج، يمكن وصفها بالمفاجئة على أقل تقدير.
إذ ما نسبتهم قرابة 52% من المستطلعين، قالوا إنهم لن يعودوا إلى سوريا، بأي شكل من الأشكال، والمفاجئ بأن هذه النسبة لم تكن تزيد عن 17% قبل ثلاثة أعوام وقت كانت نسبة 60% من السوريين، يشترطون بالعودة، انتهاء الحرب وتشكيل حكومة ونظام جديدين..وحتى هذا الشرط وهذه النسبة، تراجعت اليوم إلى 30% بل ولتكتمل سلسلة المفاجآت، لم تزد نسبة من يخطط للعودة إلى سوريا اليوم، عن 5.8%.
قصارى القول: بواقع هذا الإحباط وفقدان الأمل بالعودة إلى سوريا، بعد تسع سنوات من الحرب، التي زاد بلّة طيبنها أمران، الأول أن لا أمل يلوح بالأفق لحل قريب، بواقع استمرار المحتلين والراعين بإبقاء الحال، لا سلام ولا حل.
والأمر الآخر، واقع سوريي الداخل، خلال السنوات الأخيرة، أكان على صعيد استمرار الامتهان والإذلال وسطوة العصابة الحاكمة، أو تردي الواقع المعيشي لدرجة التشهي على الخبز وبيع، حتى بيع ما يباع لمرة واحدة، للاستمرار على قيد البقاء.
بهذا الواقع، يتوثب على الشفاة سؤال.
ماهو عدد من يمكن أن يعود إلى سورية، من الملايين الخمسة الذين توزعوا على أصقاع المعمورة وأسسوا لحياة جديدة بخمس وأربعين دولة بالقارات الست؟!
وربما السؤال الأهم، فيما لو فتح مجال الهجرة للملايين السبعة النازحة، أو حتى لمن هم بمناطق سيطرة النظام، فترى، من سيبقى بسوريا التي يؤثر العالم المتحضر، حتى اليوم، على البقاء بوضع المتفرج والناصح، إن لم نقل المستفيد من استمرار اللاحل وربما من ابقاء نظام الأسد ومحاولات إعادة إنتاجه وتسويقه لفترة رئاسية وراثية رابعة.
نهاية القول: هل من الوطنية مطالبة السوريين بمهاجرهم، برفض التجنيس ليبقى رابط العودة وثيقاً، أم ترى، السعي للحصول على الجنسية، ولو عبر “دفع الأموال” حق مشروع بواقع خراب ومستنقع سوري، لن تظهر له ملامح أمل، ربما لعقود طويلة، وذلك إن ليس من أجل الآباء المهاجرين، فكرمى لحياة طبيعية لأولادهم، بعيدة عن الذل والقمع ومصادرة الحقوق.
بيد أنه وأمام هذا الحق، من سيبقى لسوريا وكيف ستكون ملامحها المستقبلية، بواقع استمرار التفتت والهروب والتهجير واستبدال أهل البلد ب”متجانسين”؟!
سؤال من المرارة والمسؤولية، ما يمنع كل ذي ضمير، عدم الافتاء به وترك الأمر والقرار-للأسف- لكل سوري جرب الحياة بسوريا الأسد وموطنه الجديد.