سنة خلف سنة، وشهرا وراء شهر، يحس السوريون بأنهم لم يتركوا فقط ليواجهوا القتل والتهجير والاعتقال وشتى المصائب التي أذاقهم إياها الأسد، بل يشعر هؤلاء السوريون أيضا أنهم تركوا أيضا ليعانوا ويلات عوز وفقر مرعبين، ربما سيأتيان على قسم ممن لم يمت بسلاح الأسد.
وفي هذا السياق المظلم، أتت الأنباء التي تتحدث عن خفض كبير في قيمة المساعدات البريطانية للاجئين والمهجرين السوريين، وبنسبة تعادل الثلثين، ما سيخلف آثارا سلبية كثيرة، نبه المجلس النرويجي للاجئين إلى بعضها، وفق تقرير موسع نشره “ذي جارديان” البريطانية، وتولت “زمان الوصل” ترجمته.
وينبه التقرير أن مرور عقد على الحرب، ترك أكثر من 90% من السوريين في حالة فقر، ونحو 12.5 مليون سوري يقاسون شبح انعدام الأمن الغذائي، وهذا ما كان يحتم رفع طاقة الإغاثة العالمية، وليس خفضها، كما فعلت بريطانيا، مبررة خفضها بتداعيات وباء كورونا على اقتصاد البلاد.
الأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي “جان إيجلاند” نبه إلى أن المسألة لا تتعلق فقط بالأكل والشرب، فالخفض البريطاني للمساعدات من شأنه وقف المساعدة القانونية والحماية لـ65 ألف نازح في سوريا ولبنان، لن يستطيع المجلس النرويجي القيام بكامل دوره تجاههم، لأن بريطانيا ستتوقف عن ضخ ملايين الدولارات التي تتيح لهذا المجلس متابعة أحد برامجه المتعلقة بالسوريين.
وينبه “إيجلاند” أن وقف مساعدات بريطانيا للمجلس يعني أنه لم يعد بمقدور العائلات السورية بعد الآن الحصول على شهادات الميلاد، كما إن التلاميذ والطلاب لن يجدوا من يدعمهم للحصول على وثائق امتحان أو تدريب، ولم يعد بإمكان المجلس أن يساعد السوريين للحصول على وثائق لحقوق الملكية، تخص أراضيهم وبيوتهم… كل هذا من شأنه أن يترك عشرات الآلاف “بلا أوراق” عمليا.
ويضيف: بالنسبة لبعض الأشخاص، الذين كانوا يأملون الاندماج في لبنان، ضاع هذا الأمل… إنه عوز مطلق عندما تكون بلا أوراق.
“إيجلاند” قال إن إقدام بريطانيا على تخفيض مساعداتها “يعارض المثل العليا للمملكة المتحدة وكذلك مصالحها.
أما “بهية زريقيم” من المجلس النرويجي للاجئين، فنبهت إلى أنهم تلقوا معلومات عن زيادة عمالة الأطفال في صفوف السوريين، وعن اكتفاء العائلات بتناول وجبتين في اليوم، مضيفة: “الاحتياجات الإنسانية تتزايد ولا تنقص”.
من جهتها، وزيرة التنمية الدولية في حكومة الظل في المملكة المتحدة، قالت إن خفض الدعم الحيوي لبلد يعيش فيه أكثر من 90٪ من السكان في براثن الفقر بعد عقد من الموت والدمار.. أمر مخز. هذه الخطوة القاسية تسلط الضوء على تجاهل صارخ من قبل هذه الحكومة للوفاء بواجبها الأخلاقي”.
وتعد بريطانيا ثالث بلد “مانح” لسوريا على مستوى العالم، وفق تقرير “ذي جارديان”.
منظمة “كير إنترناشونال” قالت إنها قلصت بالفعل عملها في سوريا بنسبة 36٪ في العام الماضي، دون أن تكشف المنظمة عن مقدار التخفيض في الدعم الذي كانت تتلقاه من لندن.
ويقال إن الحكومة البريطانية تعمل على إسكات الجمعيات الإغاثية، ومنعها من التحدث علنا عن تأثير تخفيضات المساعدات على برامجها.
ويقول أحد المسؤولين التنفيذيين في مؤسسة إغاثية، طالبا عدم الكشف عن هويته، إن خفض المساعدات البريطانية سيكلف آلاف الأرواح، ومع ذلك نتعرض لضغوط من لندن لعدم نقاش ذلك علما، وإلا فإن عمليات التمويل المقررة قد تجمد.
ونقلت “ذي جارديان” عن متحدث باسم الحكومة البريطانية قوله: “لقد قدمنا مساعدات منقذة للحياة ودعما مباشرا للشعب السوري، بما في ذلك أكثر من 28 مليون حصة غذائية، وأكثر من 20 مليون استشارة طبية، وأكثر من 14 مليون لقاح.. منذ عام 2012.
وأضاف: “التأثير المزلزل للوباء على اقتصاد المملكة المتحدة أجبرنا على اتخاذ قرارات صعبة ولكنها ضرورية، بما في ذلك التخفيض المؤقت للمبلغ الإجمالي الذي ننفقه على المساعدات”.