نظرةٌ واحدةٌ على الصور التي تعرضها بعضُ السوريَّات لشعورهنَّ وضفائرهنَّ المقصوصة بهدف بيعها، تكفي لمنح القوَّة لذلك المقصّ، الذي لا يظهر في تلك الصور، ليصل إليك ويقصَّ شيئاً من أطراف روحك.
لن تهتمَّ بهويَّة صاحبة الشَّعر، سواء أكانت امرأةً مواليةً أم فتاةً معارضةً، لأنَّ ثقل الأسى سيسحق المنطق الذي تفكّر فيه، كما أنَّ المقصّ ذاته الذي لا تراه، وبعدما ينتهي من قصّ الجديلة سيتابع طريقه نحو السيرة الذاتية لصاحبتها، ليُحيلها مزقاً صغيرةً لا تنفع حتى للتعرُّف إلى المنطقة التي تنحدر منها تلك المرأة.
في الصور المعروضة للشَّعر المقصوص، ولسببٍ مجهولٍ يشغل بالي كلُّ ما هو غائب؛ من المقصّ إلى وجه صاحبة الشَّعر (يشغل بالي الغائبون دائماً). تشغلني الدموع التي لا تُظهرها الصور. الأنوثة التي فُرِشتْ على الشرشف مع شريط قياس. والوجع الذي لا يُحسَب حسابه عند تقدير السعر.
لا تعرف ما الذي سيُشترى بثمن الشَّعر المعروض للبيع: الدواء أو مازوت التدفئة أو حتى الطعام؟ لا تعرف ما الذي يجدر به أن يكون ثمناً لتخلّي امرأةٍ عن شَعرها.
للحظةٍ تصبح الجديلةُ المقصوصةُ صورةً للأسى السوريّ وقد اتَّخذ لوناً ولمعةً وتموُّجاتٍ.
للحظةٍ تترقرقُ الخصلةُ المعروضةُ إلى أن تصبح دمعةً مستطيلةً لألمٍ مستطيلٍ.
تبيع النساء السوريَّات جدائلهنَّ، ويبيع شبَّانٌ سوريون كلاهم. صار بيع الكلية خياراً مقبولاً لدى الشباب الذي لم تُتحْ له الحياة، يوماً، حقَّ أن يختار شيئاً.
وفي هذه السوق التي يبيع فيها الناس أعضاءَهم فُرادى، وتُباع فيها البلاد جملةً، كأني بالواقف على القارعة وقد أخذ ينادي: جدائلُ للبيع، كِلى للبيع، بلادٌ للبيع…