وجوه فيسبوكية ضاحكة، وسمايلات للسخرية ترافقت بالأمس مع نشر خريطة لسوريا بين مجموعة من الشبان على مجموعة تواصل ما لبثت أن انتشرت على بقية مواقع التواصل، وأحدثت ردود فعل بين غاضبة وساخرة وأخرى ترى الأمر عادياً لا يستحق النقاش.
الخريطة قسّمت المدن السورية وفق أكلاتها الشعبية، والسمات العامة المتداولة عن سكان هذه المناطق، وعلى سبيل المثال تشتهر حمص بحلاوة الجين فتم وضعها على الخريطة بهذا الاسم، ودير الزور بالبامياء فوضعت مكانها، وهكذا حلب التي سميت بـ(تيكتوك) وإدلب (شعبيات)، واللاذقية وجبلة (متة وواسطات)، والحسكة والقامشلي (نفط).
المستفز هو تسمية دمشق بـ(ليش البعزئة سيد راسي)، ودرعا (المصاري)، والسويداء (تفاح)، وأما الأكثر استفزازاً هو تسمية الجولان بـ (كمالة عدد)، وهنا استشاط الكثيرون غضباً على هذا التصنيف العدواني الذي يعكس جهلاً بتاريخ الإقيلم المحتل وبعادات أهله وتقاليدهم، وتضحياتهم قبل الثورة وبعدها أو قبل الأزمة وبعدها كما يحلو اليوم لكثيرين تسمية عقد الموت والجوع السوري.
لم تكن دمشق في تاريخ سوريا مجرد تاجر مهادن متخاذل وإن حمل البعض هذه السمة فالتاجر في كل مكان يفكر بمصلحته أولاً، وهذا حال التاجر الحلبي والحمصي والحوراني والقاهري والبغدادي، وتاريخ الشام يحفل بالكرماء والقادة والشعراء والثائرين على الظلم، والمدنية العظيمة.
أما حوران فلا يمكن أن تكون بهذا العنوان الصغير، وأهلها الذين عملوا بالتجارة وسافروا في سنوات قحطها إلى الخليج لم يبحثوا عن المال فقط فهم تاريخ بكامله من المروءة والكرم والتضحية.
ولكن المعيب الذي يعكس سطحية من رسم الخارطة، ومن رأى فيها اختصاراً حقيقياً لبلد وشعب أنهكه الفقر والموت هو اعتبار الجولان (كمالة عدد)، وإن كان يقصد الأرض فكارثة أكبر من شتم أهلها الذين هم بكل الحسابات كانوا أكثر من وقع عليهم الظلم، وأكثر من قدم التضحيات تاريخياً أو في السنوات العشر ألأخيرة.
الجولان الفائض عن حاجة هؤلاء الصغار هو منبع خيرات البلاد لم لو تحتله إسرائيل بخيانة السلطة، وبئر مائها الذي لا ينضب، وأخضرها الأزلي، وهضبة الدفاع عنها، وشماعة النظام في ركوب السوريين وكرسي الحكم بحجة الصراع مع إسرائيل من أجل تحريره.
أهل الجولان هم سكان الأحياء الجنوبية لدمشق الذين كانوا أول من ثار على الطغمة الحاكمة في دمشق عندما نكلت بدرعا ودوما وحمص، ومناطقهم الأكثر دماراً، وهم من عانوا من النزوح مرات واللجوء المرير خارج الوطن، وهم من حملوا سمة نزوحهم بين السوريين عندما كانت هذه الخارطة واحدة هانئة.
الحالة السورية المتشظية لا تحتاج إلى هذه الموجة الجديدة من الاتهامات والتشويه والتخوين بثوب النكتة تارة، وبصعود مرضى الطبقات والطوائف تارة، ومن المعيب أن لا يدرك السوريون بعد عشر سنوات من الصراع الدموي أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، وعليهم أن يتركوا خلفهم إرث البعث الذي أرادهم طبقات وطوائف وعائلات وعشائر ليسهل استعبادهم وركوبهم.
هذه الخريطة المسمومة ليست وليدة هاجس ناشط أحمق وثرثرة لبعض الحمقى إنما هي مرض يجب استئصاله، وإلا فسوريا إلى مزيد من الضياع والتقسيم، وربما يطالب بعض الرعاع قريباً بسوريا بنكهة حلاوة الجبن أو بطعم البامياء.