بدأت قصة مرض “نضال” مع بداية الثورة السورية 2011، عندما كان محاصراً بين ألمين، ألم الموت، وألم “الحزن” على من يشيعهم من أقاربه وذويه عند كل قذيفة تسقط على قريته المحاصرة في ريف حمص الجنوبي.
تمكن الأربعيني “نضال عبدالله الحسون” من النجاة من شبح الموت، لكنه عجز عن الإفلات من “شبح الحزن” الذي تمكن من عينيه وبصره ذات بكاء، على شقيقين مازالا معتقلين ومجهولي المصير ذنبهما أنهما حاولا إغاثة المحاصرين بالخبز وحليب الأطفال في حمص.
يقول الكفيف “نضال” لـ”زمان الوصل” إن بصره يضعف نتيجة الإصابة بالتهاب في “اللطخة الصفراء” ثم أصيبت عيناه بـ”الماء البيضاء”.
ويضيف “بعد مسيرة علاج طويلة بين أكثر من طبيب تمكن طبيب حموي من مساعدتي على إبصار طريقي بصعوبة وكنت سعيدا بتلك النتيجة التي هيأت لي فرصة التنقل والمشي من دون مساعدة من أحد”.
*اللجوء القاسي يفقده بقايا البصر
يتابع اللاجئ السوري نضال: “بعد لجوئي إلى مخيمات لبنان في بلدة (ببنين) التابعة لقضاء (الضنية) شمال لبنان، بدأ بصري يضعف بشكل متسارع، وبدأت فرحتي بما كنت أتمكن من رؤيته من زوالات وظلال تخبو يوماً بعد يوم، اختفى ظل أولادي الثلاثة بالكامل، وصار الذهاب إلى الحمام، والتنقل داخل الغرفة أمرا في غاية الإحراج والصعوبة لعجزي الكامل عن إبصار أي نور أو طريق.
ويضيف نضال: “قصدت أكثر من طبيب هنا في لبنان من أجل الوقوف على علاج عيني، وأجريت عدة صور وفحوصات وتحاليل بناء على طلبهم، لكن الفائدة كانت شبه معدومة بسبب ضعف إمكاناتي المادية من جهة، وبسبب غياب التخصص في طب العين هنا في لبنان من جهة ثانية”.
ويستدرك “مسيرتي المكوكية بين المشافي اللبنانية انتهت بالتوصل لعلاج إسعافي وقائي مؤقت، وهو أن يتم زراعة أنابيب كورتيزون في كل عين”.
وهذه الأنابيب بحسب ما نصح الأطباء المريض تؤمّن له عودة في بصره بنسبة 2%، ويجب أن يخضع لهذه العملية كل 6 أشهر، منوهين إلى أن تكلفة العملية للعين الواحدة تزيد عن 2000 دولار أمريكي، أي يترتب عليه دفع 4000 دولار كل 6 أشهر.
وعن إمكانية العلاج بشكل كامل قال “نضال” إنه حصل على تطمينات وتأكيدات من أطبائه في لبنان بأن نسبة نجاح علاج عينيه وعودة البصر إليهما عالية جدا، لكن هذا النوع من العمليات غير متوفر في مشافي لبنان، بحسب قولهم، ويستطيع أي مشفى في أوروبا القيام بها، وبنسب نجاح عالية.
*تمسك بالحلم
يستكمل “نضال” قائلا “وضعي المادي كوضع مئات آلاف اللاجئين السوريين في لبنان، بالكاد نقدر على تأمين ما نعيل به أطفالنا”، متسائلا “من أين لي القدرة على تأمين 4000 دولار كل 6 شهور، وأنا العاجز عن تعليم أولادي، وتأمين أبسط لوازمهم من لباس ودواء وقرطاسية؟”.
ويواصل “نضال” حديثه متحسرا “ليت أطبائي أخبروني أنني لن أتمكن من الرؤية مجددا، كنت حمدت الله ورضيت بقسمتي، لكن حلمي بالرؤية لايزال ممكناً، ولا يفصلني عنه إلا كيلو مترات”.
“من حقي أن أحلم” يقول “نضال”، و”على العالم كله أن يساعدني على تحقيق حلمي باستعادة بصري، أنا لا أطمح بزيارة أوروبا لألتقط الصور بجانب الأبراج والمتاحف، وليس لدي رغبة بالتجول بين آثارها ومعالمها السياحية، كل حلمي أن أجري عملي الجراحي، وأن أمنح لأولادي فرصة التعلم والحياة”.
*صرخة استغاثة للمفوضية
تعمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان على تسفير مئات العوائل السورية اللاجئة في لبنان إلى دول أوروبا وأمريكا سنوياً، وتكون الأفضلية في السفر للحالات التي بحاجة إلى علاج. فما تقييمها لحالة نضال؟، ألا يحق له المساعدة للحصول على موافقة تنقله إلى بلاد توفر له العلاج.
يقول نضال: “عرضت نفسي على لجنة طبية فرنسية في (تل عباس) منذ أكثر من عامين، وسجلوا اسمي بهدف تسفيري، ووعدوني بالاتصال، بي لكنهم لم يفعلوا”. مضيفا أن المفوضية العليا لم تكتفِ بعدم تسفيره للعلاج، بل عمقت معاناته بفصله من برنامجها الخاص بالتغذية ! وهو لا يتلقى منها أي مساعدة طبية أو إغاثية أو مالية.
*بينه وبين تحقيق الحلم بطاقة سفر، فهل سيفعلها القدر؟
لا زال “نضال” الذي فقد الأمل بإمكانية علاجه في مشافي لبنان، متأملا الوصول إلى أحد مشافي أوروبا لعلاج عينيه، وهو حلم لايفارق مخيلته للحظة.
يبقى “نضال” على قيد الأمل منتظرا تلك الصدفة التي قد تحول ظلمته إلى نور، وحزنه إلى فرح، مناشداً كل ذي قلب وضمير أن يكون صوته عند الجهات ذات الصلة لمساعدته في تحقيق حلمه في السفر من أجل العلاج.